عبدالله المزهر

السعادة ولبيد وزهير وتشارلز!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 14 نوفمبر 2018

Wed - 14 Nov 2018

حزنت ـ ليس كثيرا ـ عندما علمت أن الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا يحتفل بعيد ميلاده السبعين هذه الأيام، وبالطبع فإن حزني ليس عليه ولكن لأني اكتشفت أني أيضا قد كبرت كثيرا، فعمري الآن أكبر بأربعين عاما على الأقل من عمري قبل عشرين عاما.

صحيح أن وضعه الوظيفي مصدر عزاء لكل العالقين في مراتبهم الوظيفية منذ سنوات، فوالدته تحكم منذ أكثر من ستين عاما، وهو في وظيفته منذ ولادته، لم يتقدم خطوة واحدة للأمام، ولكن ومع هذا الوضع الوظيفي البائس إلا أن الأمر ليس سببا كافيا للحزن عليه، لأن لكل أمر في الحياة جانبا مظلما وآخر مضيئا. الجانب المضيء هو أنه من أسرة لا يموت أفرادها بالشكل الذي تموت به بقية الكائنات الأخرى، وأعمارهم تتجاوز حد «السأم» الذي وضعه زهير بن أبي سلمى قبل قرون كثيرة «سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم».

وزهير كما يبدو لم يسأم الحياة نفسها، ولكنه سئم من متطلبات الحياة التي لا بد منها لكي تستمر، وهذا أمر لا يحتاج لبلوغ الثمانين للسأم منه. أنا شخصيا سئمت تكاليف الحياة قبل أن أبلغ الثلاثين.

أما لبيد بن ربيعة ـ وهو أحد الذين تحدثوا عن نظرية «الطفش» من الحياة ـ فإن سأمه كان بسبب الحياة نفسها وليس بسبب تكاليفها:

ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟

ويبدو انزعاج لبيد منطقيا لأنه تعدى المئة عام، فقد مللت أنا من مجرد تخيل حياته.

وعودة إلى الموضوع فإن الجانب المظلم في حياة تشارلز هو أن أعمار كهذه تعني بطء التقدم في السلم الوظيفي، ومن المرجح أن إليزابيث تريد أن تحطم رقم لبيد، وهذا يعني أنه ربما يغادر الحياة قبل أن يحصل على هذه الترقية الوظيفية.

وقد شاهدت مسلسلا تلفزيونيا بريطانيا عن حياة الأسرة المالكة في بريطانيا، وتعاطفت معهم كثيرا وحزنت من أجلهم، فإذا كانت الأحداث حقيقية والحياة كما صورها المسلسل فإني لا أحسدهم أبدا ولا أريد أن أعيش حياتهم حتى لو عمرت عمر نوح، أمر مخيف مجرد تخيل أن تعيش حياتك كلها منذ ميلادك إلى أن تكف عن الوجود وأنت تتقمص شخصية لا تشبهك، وتقوم بكثير من الأعمال التي لا تحبها ولا تريد القيام بها.

وعلى أي حال..

ميلاد سعيد للأمير تشارلز، والسعادة ـ كما تعلمون ـ ليست في الأموال فقط، ولكنها في الكثير من الأموال، هذا ما اتفقت عليه البشرية ضمنا، وأنا لا مشكلة لدي مع هذه الاتفاقية وأوافق عليها، وموافقتي هي كل ما أستطيع تقديمه حاليا، أما بقية البشر فإن مهمتهم هي إعطائي الأموال لكي أحدثهم مستقبلا عن السعادة وكيف يمكن أن يسأم المرء بعد ثمانين حولا مع أن لديه الأموال وهي وقود السعادة.

agrni@