محمد علي العاوي

ريادة الأعمال.. الآمال تصطدم بالتستر

الاحد - 04 نوفمبر 2018

Sun - 04 Nov 2018

يتعاظم اعتماد كثير من الدول المتطورة والدول النامية على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب أدوارا كبيرة في تنمية اقتصادها المحلي، نتيجة لإسهاماتها المتزايدة في الناتج القومي الإجمالي لتلك الدول، إضافة إلى قدرتها على خفض نسبة البطالة إلى أدنى المستويات، عبر توفير فرص نوعية للشباب، وإحداث تغيير إيجابي في مستوى معيشة المواطنين، وسد الفجوة التي تحتاجها الأسواق، عبر توفير منتجات متميزة تستخدم مواد خام من البيئة المحلية. ولتأكيد صواب هذا التوجه يكفي القول إن كثيرا من دول العالم التي تطورت اقتصاديا اعتمدت على ذلك القطاع لزيادة دخلها، مثل اليابان التي تساهم تلك المؤسسات بنحو 70% من صافي دخلها العام، وقريبا من هذه النسبة نجدها في ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة.

وإذا كانت دول العالم الأخرى تركز على دعم وتشجيع الشباب على إنشاء مؤسسات خاصة بهم، وتمنحهم من التسهيلات ما يمكنهم من البدء في ذلك النشاط، فإننا أولى بفعل ذلك، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن غالبية مواطني المملكة هم من الفئة التي تتراوح أعمار أفرادها بين 18 و25 سنة، وفقا للإحصاء السكاني الأخير، كما أن ارتفاع نسبة البطالة بين شبابنا إلى نحو 12% وفقا لما أكدته الجهات المختصة يعد محفزا آخر، بدلا من البحث عن إيجاد مزيد من الفرص لهم في المكاتب والمؤسسات الحكومية، مما يمكن أن يسفر عن مزيد من الترهل في دولاب العمل الحكومي.

والناظر لواقع هذه المؤسسات في بلادنا يجد أنه لا زال دون المأمول، نتيجة للعديد من المعوقات التي تمنع انطلاقها، وفي مقدمتها صعوبة حصول أولئك الشباب على التمويل الكافي بشروط ميسرة، حيث تعزف كثير من البنوك التجارية عن تقديم التمويل لهم، وتتمسك بالحصول على ضمانات كافية، لا يتمكن الشباب في معظم الأحوال من الإيفاء بها، إضافة إلى افتقار أصحاب تلك المشاريع للخبرات الإدارية والمالية التي تمكنهم من إدارة مشاريعهم بالصورة المثلى، وهو ما يؤدي بالتالي إلى فشلهم وتكبدهم خسائر ضخمة تدفعهم لإغلاق مؤسساتهم والخروج من السوق.

إن من أكبر المشكلات التي تواجه أصحاب تلك المؤسسات مشكلة التستر التجاري، وإصرار بعض ضعاف النفوس على تحقيق مكاسب هامشية عبر استغلال عمالة وافدة غير نظامية في مشاريع يملكونها اسميا، فيما تكون في واقع الحال خاصة بأولئك العمال، نظير مبالغ مالية تدفع بانتظام مقابل التستر والتمويه، فالإحصاءات الرسمية تؤكد وجود أكثر من مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة مسجلة، ولكن مع الأسف فإن جزءا كبيرا من تلك المؤسسات لا يعمل فيها سعوديون.

وتكمن خطورة ذلك السلوك في أنه يحرم الكثيرين من فرص العمل، ويصعب من قدرتهم على منافسة تلك العمالة الوافدة التي غالبا ما تتكتل وتتآمر ضد الشباب السعودي الذي يحاول منافستها، خشية افتضاح أمرهم.

ولإنعاش هذا القطاع الحيوي فإننا بحاجة إلى حلول غير تقليدية وخطوات عملية، بدلا من تركيز الجهود على عقد المؤتمرات والندوات والاكتفاء بالخطوات النظرية، فهناك الكثير من الخطوات التي يمكن أن تسهم مباشرة في دعم الشباب لإنشاء مشاريعهم الخاصة، فالغرف التجارية يمكنها أن تتولى توفير دراسات الجدوى التي تحتاجها تلك المؤسسات، وتنظيم برامج تدريبية لأصحاب المنشآت لرفع قدراتهم، وإطلاعهم على أساليب الإدارة الحديثة، والاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات في إدارة الأعمال، وتوفير البرامج الرقمية المطلوبة، مثل الأنظمة المحاسبية والرقابية وإدارة المخازن والمبيعات، وغيرها.

وتؤكد إحصاءات حقيقية مستمدة من واقع السوق أن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إذا ما تم تنظيمه بصورة مناسبة، يمكنه أن يوفر فورا مئات الآلاف من الفرص الوظيفية لشباب يملكون الكفاءة والرغبة في العمل، ويطرقون أبوابه بإلحاح، لكن مساعيهم تصطدم مع الأسف ببعض الذين انحسرت في دواخلهم كل القيم السامية، ولم يعد بإمكانهم التفكير سوى في آفاق ضيقة لا تتجاوز مصالحهم الخاصة.

drmawi@