زهير ياسين آل طه

استدامة الأرض في معضلة

الجمعة - 26 أكتوبر 2018

Fri - 26 Oct 2018

المتتبع للوضع البيئي والمناخي العالمي سيدرك أن خطط التصدي الاستراتيجية لارتفاع حرارة الأرض التي اندرجت في أكثر من مؤتمر ومنتدى عالمي للبيئة والطاقة والمناخ قد باتت شبه مستعصية التنفيذ بدقة لكي تحول دون استمرار تنامي ظواهر بيئية وجيولوجية جديدة وقاسية على طبيعة الأرض، والتي يعتقد من وجهة نظر سائدة أنها نتيجة ترابطية متزامنة مع تنامي الاحتباس الحراري (GHG) جراء ازدياد غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تحديدا، والذي سيكون فيه ارتفاع مياه المحيطات أقل بـ 10 سم في حال تم الالتزام بارتفاع الحرارة 1.5% درجة مئوية الذي تم الاتفاق عليه مقارنة مع 2% درجة مئوية في عام 2100، كما يشير إليه الفريق الحكومي الدولي لتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) في الاجتماع الأخير في كوريا الجنوبية 8 أكتوبر 2018، منوهين إلى احتمال تلاشي الشُعَب المرجانية واختفائها عام 2100 لو ارتفعت الحرارة بنسبة 2% درجة مئوية مقابل انحسارها بمعدل 70-90% حال الوصول إلى %1.5 درجة مئوية. الشاهد في العملية الرقابية والتحليلية العلمية يكمن في تسجيل متوسط مساحة الجليد في القطب الشمالي 4.71 ملايين كلم مربع لشهر سبتمبر 2018 مع ربطه بعام 2008 كأدنى معدل انخفاض سادس في سجل الأقمار الصناعية، وفقا لعلماء في المركز الوطني للبيانات الثلجية والجليد (NSIDC) في جامعة كولورادو بولدر. وبغض النظر عن التفاوت في المعتقد والتشكيك بين العلماء في عملية الاحتباس الحراري، إلا أن الأوضاع البيئية أخذت تُحدث وقعا خطيرا صحيا على الحياة البشرية، وبالتأكيد في اختلال طبيعة الكائنات الحية وانحسارها وانقراض جزء منها، بل هناك خوف قادم من عدم توجه الأنظار إلى ما سوف تضيفه الغازات الأخرى الكامنة والمحصورة المتجمدة منها، والتي تعد سيناريو منسيا أو مهملا بما يخص الوضع البيئي والصحي، وهي هيدرات الميثان الموجودة في مستودعات هائلة أسفل حواف القارات في محيطات العالم، وغيرها في المستنقعات، وكربون الجليد المنحصر منذ العصور الجليدية الذي سينطلق بشراهة مع الذوبان من حيث توقع انحسار الجليد من 29% إلى 59 % عام 2200 في دراسة سابقة لنفس المركز عام 2011.

ويمكن تبرير ما يحدث من قصور في عملية نجاح الاستراتيجيات الموضوعة والمتغيرة أيضا، والتي التزمت بها ووقعت على بروتوكولاتها بعض من الدول الصناعية، مع وجود الضبابية أو غياب القدرة الكاملة والتمكين من تنفيذ الخطط والجداول الموضوعة بحذافيرها تماما، من خلال ما تحدثه الطبيعة من استنزاف وإرباك لكثير من السياسات والتنبؤات، ويعتبر هذا الانحراف الاستراتيجي عائقا وجدارا صامدا ضد بلوغ الأهداف المجدولة زمنيا، والمعززة بكثير من الاستثمارات الكبيرة، بل ويتخطى مضمون معتقد وتوجه بعض من منظريها في القضايا البيئية إلى قضايا أخرى كامنة تحكمها التذبذبات السياسية والاقتصادية المتتالية والاستهلاكية الهائلة من الطاقة، في احتراق مصادرها الأحفورية التقليدية بشراهة دون المتجددة التي ينظر إليها بالبديلة في ضخ الاستثمارات الكبيرة فيها تباعا، في توجه استراتيجي مقصود للحد من ارتفاع التكاليف والأسعار في الطاقة الأحفورية، ومن هيمنة الدول المنتجة لها كما يعتقدون، لكن البديلة والمتجددة تظل متأرجحة في بلوغ مرامها واعتلائها عرش الطاقة في وقت قريب وحتى بعيد لعقود قادمة، نتيجة الامتداد السكاني والصناعي الهائل ومتطلباته، مضافا إلى التراجع في الاستثمار في الطاقة النووية جراء ما أحدثه مفاعل فوكوشيما في اليابان من خوف بعد تصدعه من التسونامي، حتى من قبل هذه الكارثة في توجه احترازي استراتيجي من بعض الدول في الانسحاب المجدول لإغلاق ما لديها من مفاعلات قديمة كألمانيا.

وبما أن الاتجاهات والدعوات لحماية الأرض ومن عليها تتمحور كثيرا في التشديد على مبادئ الاستدامة ومدى قوة الالتزام بها، فإنه من الضروري الالتفاف وبجدية متناهية نحو الالتزام بتلك المبادئ قبل فوات الأوان، والتوعية وبشكل علني بخطورة ما ستحدثه الحرارة المرتفعة على الحياة جراء قلة الوعي البشري في عملية الحفاظ على البيئة، تزامنا مع تشجيع الدخول أكثر فأكثر في بدائل الطاقة الأحفورية كالشمسية والعضوية والرياح والأمواج والشبكات الذكية والسيارات الكهربائية التي تتجه إليها الأبحاث العلمية وتحاول أن تخرج بنتائج سريعة محرزة ذات تأثير نسبي أكبر في الاستهلاك مما هي عليه حاليا مقابل الطاقة الأحفورية.

@zuhairaltaha