محمد علي العاوي

المسؤولية الاجتماعية بمفهوم الضرورة

الاحد - 21 أكتوبر 2018

Sun - 21 Oct 2018

تمثل المسؤولية الاجتماعية قيمة أساسية في ثقافة المجتمعات المعاصرة، ولا سيما الإسلامية منها، لأنها تعني في الأساس التكافل والتضامن والتعاون والتراحم، وهي قيم حض عليها الشرع الحنيف ونزل بشأنها العديد من آيات القرآن الكريم، ووردت في أحاديث نبوية كثيرة. ومما يفخر ويعتز به أي مواطن سعودي أن شركات القطاع الخاص الوطنية ظلت تولي هذا الجانب اهتمامها، وتحرص على المشاركة في كثير من الأنشطة الخيرية والاجتماعية التي تعنى بالفئات الأكثر احتياجا، وتدعم الفقراء، تواسي هذا وتعين ذاك، وتسهم في كافة الأعمال التي تؤدي إلى تنمية المجتمع، والارتقاء بواقعه الاقتصادي والاجتماعي، ودعم مرافقه الصحية والتعليمية.

وقد حرص رجال الأعمال السعوديون على الاعتناء بالجوانب الإنسانية، إيمانا منهم بأن للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق، لذلك أسهموا في تمويل الجمعيات الخيرية، وامتدت مشاركاتهم، وشهدت تطورا نوعيا خلال السنوات الماضية، مثل المشاركة في تمويل كراسي البحوث العلمية في الجامعات، بهدف الارتقاء بالمسيرة التعليمية، ودفع الجهود الرامية لإيجاد حلول علمية لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل الإدمان، والأمراض المزمنة كالفشل الكلوي وأمراض السرطانات وغيرها.

رغم هذه الصورة المشرقة، إلا أن الواقع الجديد الذي تعيشه بلادنا اليوم، وما أفرزه ارتفاع نسبة البطالة إلى أرقام صادمة يحتممان علينا التركيز على جانب أكثر أهمية وأشد إلحاحا، ينبغي أن تتوجه إليه عناية الشركات الكبرى والمصارف ورجال الأعمال، وأن يمنحوه أولوية قصوى، وهو الإسهام في حل هذه المعضلة الكبرى، والإسهام في توظيف الشباب، وإيجاد فرص العمل المناسبة لهم، والتي تعصمهم من الوقوع فرائس سهلة في فخاخ الإرهابيين وأرباب الفتنة، أو الانحراف نحو إدمان المخدرات، أو غير ذلك من الانحرافات السلوكية والأخلاقية الأخرى.

وحتى نصل إلى تحقيق حلول جذرية، وإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، بالصورة التي لا تؤثر سلبا على الشركات والمؤسسات والمصانع، فإنه من الضروري رفع كفاءة الشباب السعودي، وتمليكه المهارات اللازمة للقيام بأعباء الوظائف الملقاة على عاتقهم.

وحتى لا نطالب الشركات الوطنية بالتحول إلى مؤسسات خيرية، وتحمل كافة تكاليف التدريب، فإن هناك فرصة لإطلاق ما يمكن أن يطلق عليه «البرنامج الوطني لتدريب الشباب»، تقوم بتمويله الشركات الكبرى والمصارف ورجال الأعمال، على أن يتم توقيع عقود مع الشباب بمجرد تخرجهم في الجامعات، وانخراطهم في البرامج التدريبية التي تؤهلهم للعمل.

وهذا النوع من التوظيف يدخل ضمن ما بات يعرف باسم «التدريب المنتهي بالتوظيف»، وهو يحمل في مضامينه فوائد جمة للجانبين، فالشاب يضمن عدم إضاعة سنوات من عمره بعد التخرج في انتظار القوى العاملة، كما يزيح عبء الصرف عليه عن كاهل أسرته، كذلك فإن البرنامج التدريبي الذي يلتحق به سيكون حتما مرتبطا ارتباطا وثيقا بسوق العمل. كذلك فإن الشركات تضمن ولاء الشباب لها، لأنهم يلتحقون بها بمجرد تخرجهم، كما أن الشباب الذين يتوظفون لديها سيكونون أكثر إنتاجية لأنها دربتهم وفق احتياجاتها الفعلية. وهذا المفهوم الجديد للمسؤولية الاجتماعية ينبغي إعلاؤه والتركيز عليه، لأنها ليست مجرد «شو إعلامي»، أو تظاهرة أمام عدسات الكاميرات، بل هي سلوك إيجابي ينبع من شعور عميق ومفهوم واسع.

رؤية المملكة 2030 أكدت على حتمية توظيف الشباب، لكن المطلوب ألا يتحول ذلك إلى واجب إلزامي تقدم عليه مؤسسات القطاع الخاص وهي مكرهة، بل ينبغي أن يتم ذلك بصورة طوعية، بأن يتجاوب رجال الأعمال مع تلك الجهود وهم يضعون في حسابهم أنهم يشاركون في إنجاز هدف وطني نبيل، يفوق في أهميته مجرد تحقيق الأرباح المادية الآنية، وأن الوطن الذي يتشرفون بالانتماء إليه، ينتظر منهم المشاركة في حل مشكلة شبابه، وإحلالهم محل العمالة الوافدة، فهم أعز ما تمتلكه أي أمة تريد النهوض.

drmawi@