عبدالله المزهر

هشام بن عبدالملك في البريمرليغ..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 18 سبتمبر 2018

Tue - 18 Sep 2018

شاهدت قبل فترة ـ وأعني بضعة أشهر ـ نشاطا لنقابة المحامين العراقيين، بحضور قضاة رسميين، فكرته هي محاكمة الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك. ولم ينج الخليفة وتم الحكم عليه بالإعدام.

وفي هذه الأيام أشاهد بعض المقاطع واللقاءات لمشايخ ومسؤولين عراقيين ممتعضين من هارون الرشيد وأبي جعفر المنصور. إضافة بالطبع إلى الامتعاض الذي لا يمكن تجاهله من الخليفتين الراشدين أبوبكر وعمر. ويرى بعض هؤلاء الممتعضين أنه ليس من حق العراقي الحديث عن الماء والكهرباء والخدمات قبل أن يدين بشكل واضح أغلب الأسماء التي وردت في كتب التاريخ.

ولست أكتب منتقدا أو ساخرا من الفكرة، بل إنها راقت لي كثيرا وأفكر في إنشاء محكمة ـ قطاع خاص ـ أحاكم فيها كل الأموات الذين لم تعجبني سيرتهم، وأحكم عليهم بالإعدام شنقا دون أن تأخذني بهم رحمة أو شفقة.

وقد يكون أيضا من المناسب أن يكون من ضمن أنشطة محكمتي إعادة محاكمة أناس تم إعدامهم بالفعل والحكم ببراءتهم وإعدام القضاة.

الشخص الذي أفكر في محاكمته بشكل عاجل هو أول من فكر في كتابة التاريخ، وجريمته واضحة الأركان والمعالم. من الواضح أن فكرته قد انحرفت تماما عن مسارها وبدلا من أن يكون التاريخ بابا للتأمل وفهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل أصبح التاريخ معتقلا كبيرا لكثير من الأحياء.

في السجن المبني من الإسمنت وقضبان الحديد يكون المعتقل مرغما على المكان ويحلم بالحربة، ويعلم ـ أحيانا ـ متى سيغادر ضيق السجن إلى سعة الحياة، أما في سجن التاريخ فإن هؤلاء الأحياء يعيشون فيه بمحض إرادتهم ويظنون أنفسهم أحرارا. وهذه أخبث فكرة اعتقال يمكن أن تخطر على بال مخلوق. ولذلك أعتقد أني سأحكم بالإعدام سحلا على الشخص الذي ابتكر فكرة التاريخ. صحيح أن هذا الحكم لن يعيد هشام بن عبدالملك الذي حكم عليه بالإعدام قبل عام تقريبا.

ولكنها قد تساهم في تغيير رأي بعض المعتقلين في سجن التاريخ، فيحرروا أنفسهم من قيودهم الوهمية، ويكتشفوا أن الحياة هي ما يعيشونه بأنفسهم وأن القضية التي يجب أن تشغلهم هي الحياة وكيف يعيشون أعمارهم في الدنيا وما بعد وما بعد الدنيا.

ولعلي كنت قد قلت سابقا ـ في مكان لا أذكره ـ بأن التاريخ عباءة الغير، يعجبنا شكلها لكنها لا تقينا البرد، والتاريخ هو القصر المنيف الذي نتحدث عنه ونحن نفترش الرصيف. لكني الآن بدأت أقتنع أن الأمر أكبر من ذلك.

وعلى أي حال..

من دروس التاريخ أن تأثير استحضاره ووجوده سلبي في الغالب، أما تأثيره الإيجابي فإنه يكاد لا يذكر، فأمريكا ـ فقيرة التاريخ ـ تقود العالم ومانشستر سيتي يتلاعب بفرق «البريمرليغ».

ثم إنه لا يتعارض مع حلمي بإنشاء محكمة لإعدام مبتكر فكرة التاريخ الحمقاء أني أحلم بأن لدي القدرة على إيقاظ أولئك الذين تملأ أسماؤهم كتب التاريخ لكي أخبرهم أنه لم يتعلم أحد من الحماقات التي ارتكبوها!