فؤاد عبدالعزيز العسيري

التمدد الأفقي ونمو السكان

الاثنين - 17 سبتمبر 2018

Mon - 17 Sep 2018

بحسب البنك الدولي فإن سكان المدن في العالم عام 1960 كانوا 33% من أصل 3 مليارات نسمة، وهو تعداد سكان العالم حينها، أي نحو 990 مليون نسمة مقابل 67% يسكنون الأرياف والقرى، بينما في 2017 هناك 55% من أصل 7.4 مليارات نسمة يسكنون في المدن أي نحو 4.1 مليارات نسمة، وفي عام 2050 سوف تحتضن المدن 68% من سكان العالم بحسب تقرير مكتب الاقتصاد والشؤون الاجتماعية في الأمم المتحدة الصادر في مايو 2018، أي إن المدن التي بنيت وتوسعت خلال آلاف الأعوام استطاعت حتى اليوم استقبال 4 مليارات نسمة فقط، وعليها أن تستقبل 3.4 مليارات نسمة إضافية خلال 32 عاما فقط.

في السعودية يسكن اليوم 84% من السكان في المدن أي نحو 27 مليون نسمة من أصل 33 مليونا هم تعداد سكان السعودية الذين توطنوا في هذه المدن عبر قرون، وبنفس رتم النمو السكاني والهجرة الحالية للمدن علينا زيادة استيعاب المدن لنحو 9 ملايين نسمة إضافية خلال 32 عاما قادمة فقط، فكيف نستطيع توفير ذلك؟ هذا أشبه بالمعجزة إذا لم نغير في سلوك التمدد الأفقي المفرط الذي يستهلك موارد ومساحات كبيرة ويخدم كثافة سكانية قليلة، وقد تحدثنا في المقال السابق عن التمدد الأفقي وأسميناه نمط الضواحي لأنه النمط الغالب في أطراف المدينة وهو النمط الذي يشغله سكان قليلون في مساحة كبيرة، أي أقل من 1000 نسمة لكل كلم2. فما هو النمط الغالب في المدن السعودية؟ مع الأسف إنه نمط تمدد أفقي، أي إن معظم المدن السعودية بيئات ضواح في الغالب، وليست بيئات حضرية، أي Suburban وليست Urban فكيف ينشأ ذلك؟

ينشأ ذلك بسبب سيطرة الرغبة في تحقيق الرفاهية والعزلة الفردية السكنية التي يدعهما عنصران أحدهما الوفرة المالية والآخر الانغلاق الاجتماعي، والتي تأخذ شكلا ماديا في مساحات كبيرة للمنازل التي قد تفوق في الغالب في نمط الفلل في السعودية 75 م2 كمتوسط مساحة لكل فرد، والتي تؤدي إلى انخفاض عدد الوحدات السكنية لكل كلم2، وبالمقارنة فإن بلدية لندن مثلا في دليل مواصفات مساحات المنازل Housing Space Standards الصادر في 2006 تضع الحد الأدنى 22م2 لشخص أو شخصين والحد الأعلى 37م2 للشخص، و44م2 لشخصين، وهكذا تزيد المساحة في زيادة تناقصية، وهذا ما توصي به تقريبا منظمة الصحة العالمية مهما اختلف نمط الوحدة السكنية، وكذلك توصيات المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين Royal Institute of British Architects في تقريره لعام 2011.

الرفاهية الفردية تحقق أهدافا قصيرة المدى، ولكنها تزيد تكلفة المعيشة على المدى البعيد، وتشكل تراكمات عدة مثل كرة الثلج المتدحرجة، فهي تقلل فرص التفاعل الإنساني في الأحياء، وهذا يساعد في عدم معرفة الغريب الذي يتجول في الحي وهذا أحد أسباب نمو السرقات في بيئات الضواحي، وأيضا تقلل فرص التنقل مشيا أو بالدراجة لأن المرافق تكون متباعدة، وهذا يؤثر سلبا على الصحة العامة ويرفع تكلفة الخدمات الصحية مع تقدم العمر، كما أن الاعتماد الكلي على السيارة يرفع تكلفة النقل على الفرد من حيث لا يشعر بسبب تباعد المرافق والخدمات، وكذلك يزيد تلوث الهواء والضوضاء ويزيد الازدحام، ولكل ذلك تراكمات سلبية اجتماعية وصحية عدة.

إذن لا بد لنا أن نفكر جديا في استحداث أنماط سكنية حديثة تقلل من الهدر في المساحة ولعل أحدها ما يعرف بـ Missing middle housing system، ومنها نمط Courtyard system، حيث يتشارك السكان بناية من طوابق عدة، وتكون المنافع العامة مشتركة في ساحة متوسطة يمكن أن يكون فيها حديقة للجميع بدل أن تنفرد كل وحدة سكنية بحديقة خلفية أو تكون ساحات متعددة الاستخدامات كالاجتماعات والمناسبات بدلا من أن يخصص كل ساكن مساحة في منزلة للمناسبات أو الأنشطة الأخرى، وذلك طبعا يتطلب انفتاحا اجتماعيا وتنظيما مؤسسيا بين الأهالي، وهذا يتطلب وعيا اجتماعيا كبيرا، ولكن في المستقبل لا توجد خيارات كثيرة سوى التشارك في الموارد والمساحات حتى تستطيع المدن احتضان الملايين القادمة وتعمل بكفاءة أكثر.

FouadAlAsiri@