عبدالله المزهر

من مذكرات سائح أجنبي في الجنوب..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 16 سبتمبر 2018

Sun - 16 Sep 2018

...ثم انتهت الإجازة، والتي قضيت جل أيامها في الجنوب كسائح أجنبي، متنقلا بين تهامة والسراة آكل وأنام وأشتم الآخرين.

والشتائم لم تكن لأن الآخرين كانوا يستحقونها، ولكن لأني في تلك الإجازة قررت الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعية، وكنت أعاني من أعراض انسحابية نتيجة إدمان الشتائم في تويتر وأخواته. فكنت أشتم سائقي السيارات والنخيل والأشجار البلاستيكية والمطبات لأني لا أجد ما أشتمه.

تقمصت دور السائح الأجنبي الذي يذهب إلى هناك للمرة الأولى وتجاهلت أني من أهل الجنوب، وأني أعرفه أكثر من أي مكان آخر في هذا الكوكب، كان أول شيء لفت نظري بعد تقمصي لهذا الدور هو أنهم هناك يزرعون الكثير من النخيل في الشوارع، وبدت النخلة أيضا في هذا المشهد كأنها سائح أجنبي هي الأخرى.

ولا أعلم من هو صاحب فكرة زراعة الفواكه في الطرقات، وهي فكرة جيدة وخلاقة، وملحظي الوحيد هو أنه كان يفترض أن يزرع فواكه من التي يمكن أن تعيش وتثمر في تلك الديار، لماذا لا يزرع «الفركس» أو الحماط أو الرمان أو المشمش بما أنه مصر على ملء الأرصفة بأشجار الفاكهة.

ثم إني وجدت أن مطبات الشوارع هناك لم تعد مجرد نتوءات في وجه الاسفلت، إنها تتحول إلى عادات وتقاليد راسخة، وتبدو أهم أجزاء الطريق كما يتخيلها المسؤولون هناك، لدرجة أنه لن يكون مستغربا لو وجدنا مناقصة لإنشاء مطبات دون وجود طرقات من الأساس، فالمطب في أدبياتهم أصبح غاية وليس مجرد وسيلة حمقاء كما يعتقد السياح الحمقى.

ولأن آخر مرة ذهبت إلى أبها وما جاورها كانت قبل ثلاث سنوات فلم يتغير الشيء الكثير، بل إن الأعمال في أحد طرقات خميس مشيط ـ أظن أنها بدأت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ـ لا زالت مستمرة، ولا أظن طريقا آخر سيحطم أرقامه، وإن كانت البوادر تشير إلى أن طريق السودة - أبها يريد الدخول في هذه المنافسة البائسة.

في الجنوب يبدو كل شيء جميلا إلا ما يصنعه الإنسان، وحتى في الأفكار الجميلة التي تتحول إلى مشروعات فإن اللمسة الأخيرة تفسد كل شيء، واللمسات الأخيرة ـ في الغالب ـ دليل على وجود الإتقان أو عدمه.

ومن الأشياء التي يجب أن يعرفها أمثالي من السياح الأجانب قبل التوجه إلى الجنوب أنه من النادر أن تجد من يعترف بأنظمة المرور الوضعية، فالدوارات ـ وهي أبرز المعالم بعد المطبات ـ تكون الأولوية فيها للأقوى والأعنف. ومن وسائل السلامة التي ينصح بها أن تفر من بعض السيارات فرارك من المجذوم، وحين تجد ـ على سبيل المثال ـ «هايلوكس» مظللة تظليلا قاتما تسير أمامك أو خلفك أو حتى واقفة على جانب الطريق فانفذ بجلدك قبل أن تصبح رقما يضاف إلى قائمة الضحايا دون أن يتذكرك أحد.

وعلى أي حال..

لا زلت لا أفهم، لماذا لا يزرعون الكثير من النخيل في الشوارع مع أن الأشجار تنمو بشكل طبيعي ودون تدخل بشري على بعد مترين من الشارع الذي يكتظ بالنخيل التي ستموت في العام القادم.

@agrni