زهير ياسين آل طه

مفهوم جودة الحياة في أبجديات البحث العلمي والاستدامة

الجمعة - 10 أغسطس 2018

Fri - 10 Aug 2018

السعي للوصول لمؤشرات عالية لجودة الحياة ضرورة تحتاجها المجتمعات الناهضة التي تبحث عن التغيير والتطوير المستمر وإعادة تخطيط الحياة وهندستها، والتي تقيس وتوثق استدامة الرفاهية والعيش الرغيد الآمن البعيد عن التعقيدات والمؤثرات الأيديولوجية العقيمة، وهذا ينطبق تفصيلا على استراتيجية رؤية المملكة 2030 المباركة والموجهة من القيادة الحكيمة والملهمة للنفس التواقة للراحة والطمأنينة والرقي لتنتج وتثمر وتحصد رخاء، لأنها تلمس جانبا مهما وحيويا وهو الابتكار، لأنه صميم الحياة المتطورة ذات الطابع المتميز الجميل بإطار الجودة المستثمر من تغذية الذكاء نحو تنمية الإبداع.

لا ينبغي الخلط بين مفهوم نوعية وجودة الحياة ومفهوم ومعيار المعيشة التي تستند بالدرجة الأولى على مستوى الدخل، لأن هناك فوارق تحليلية وقياسية لا يجب تداخلها حتى لا تخلق ارتباكا، وفي المقابل التوضيحي العلمي على المؤشرات القياسية المستخدمة لنوعية وجودة الحياة ألا تشتمل على الثروة والتوظيف والفرص الوظيفية فحسب، بل تتعداها لبيئة مبنية على الصحة البدنية والعقلية والتعليم والترفيه واستثمار وقت الفراغ والانتماء الاجتماعي القوي.

ووفقا لخبير الاقتصاد البيئي روبرت كوستانزا فإن جودة الحياة (QOL) لطالما كانت هدفا سياسيا صريحا أو ضمنيا لدى كثير من صناع القرار، إلا أن التعريف والقياس المناسبين له كانا بعيدي المنال، في نفس الوقت هناك اهتمام متجدد يدفعه ويحفزه تطور استخدام المؤشرات الموضوعية والأخرى المسماة بالذاتية عبر مجموعة من التخصصات والمقاييس، والعمل أيضا على الاستقصاءات الذاتية وعلم النفس المرتبط بالسعادة.

وبما أن السعادة مطلب مهم وذاتي ويصعب قياسه بالدقة، فإن التدابير الأخرى يفترض إعطاؤها الأولوية بشكل عام لتسريع العملية القياسية والنأي عما يؤخرها لصعوبة أو لنقص إدراكي علمي. وقد تبين أيضا أن السعادة بقدر ما يمكن قياسها بأي حال، فهي لا تزيد وترتفع بالضرورة مع الراحة التي تنتج عن زيادة الدخل، ونتيجة لذلك لا ينبغي اعتبار مستوى المعيشة مقياسا أساسيا للسعادة.

وتعمقا في أبجديات البحث العلمي وتطبيقاته العملية في الصحة البدنية كناحية مهمة في جودة الحياة، والتي قد تساعد المؤشرات بشكل تصاعدي ومؤثر في المجتمع، وجد الباحثون في نهاية عام 2017 ووفقا لدراسة نشرت في مجلة الجمعية الأمريكية لتقويم العظام، أن التمارين الرياضية مع مجموعة تقلل من الإجهاد بنسبة 26 %، وتحسن نوعية الحياة بشكل كبير، في حين أن أولئك الذين يمارسونها بشكل فردي يبذلون جهدا أكبر ولكن لم يلحظوا عليهم أي تغيرات كبيرة في مستوى التوتر لديهم وتحسين نوعية الحياة. وتفصيلا، أظهر المشاركون في التمرينات الجماعية تحسنا كبيرا في جميع مقاييس البحث الثلاثة المستخدمة في الدراسة لجودة الحياة: العقلية (12.6%) والبدنية (%24.8) والعاطفية (26%). وبالمقارنة فإن المشاركين الفرديين في اللياقة البدنية عملوا في المتوسط مرتين أطول، ولم يروا أي تغييرات مهمة في أي قياس، باستثناء نوعية الحياة العقلية (زيادة بنسبة %11).

لا نزال في موضوع الصحة، ونركز على الاستدامة البيئية، خاصة ما يتعلق بالاحتباس الحراري GHG، وأهميتها في استقرار جودة الحياة حينما تلمس جانبا تقريريا عالميا وأمميا قد يشوش ويخيف، لكنه مؤشر استحثاثي للعمل الجاد للتغيير والالتزام وفقا لفرض القوانين، ومشجعا للابتكار الاجتماعي والبحث العلمي، فتسعة من كل عشرة أشخاص حول العالم يستنشقون هواء ملوثا كما أشارت منظمة الصحة العالمية في 2018 وما أقرته أيضا جامعة ييل لمؤشر الأداء البيئي EPI 2018 الذي يشير إلى تأثير جودة الهواء في تهديد الصحة العامة، ويعطي ترتيب 180 دولة في أفضل جودة للهواء والذي تصدرته سويسرا، ويعطي دلالة على أن التغير أمر واجب والتحفيز ضرورة ملحة للحلول المناسبة والواضحة وفقا للتوصيات العالمية للمنظمات الصحية والإنسانية وفي مؤتمرات المناخ وما تصدره الدراسات العلمية أيضا، فمشاريع الطاقة المتجددة بكل مقوماتها وكفاءة الطاقة تحديدا التي يبلور تنفيذها مباشرة الابتكار الاجتماعي، لها السبق في دفع وتيرة المحفزات نحو جودة الحياة، في إشارة مقتضبة وضمنية أوردها من بحث علمي تم نشره في مجلة الفيزياء 2010 من أن العلماء أشاروا إلى أن تقنيات الإضاءة الحديثة الفعالة ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة يمكن أن تكون المفتاح لنوعية حياة أفضل، بمعنى ارتباط فعالية وكفاءة استهلاك الطاقة بإنتاجية أعلى لدى الإنسان بسبب الراحة النفسية التي يسهم فيها تقليل الصرف المالي على الطاقة.

في الملخص، الخيارات التي يمكن اتباعها كمحفزات للارتقاء بجودة الحياة ليست أمرا سهلا وإن وجدت موثقة عالميا من الناحية الموضوعية أو الذاتية كما أشرنا مسبقا لارتباطها بالواقع البيئي لكل دولة ولكل مجتمع، ومدى تكيف الفرد وذوبانه في تطبيقها من ناحية السرعة أو البطء في تنفيذها، لكن هناك أمرا مهما يستحث فيه المجتمع ويطلب منه المشاركة والتفاعل في التغيير، خاصة من ناحية الابتكار الاجتماعي، لأنه يحرك بعض المحفزات الراكدة إن كانت ساكنة مؤقتا، ولعل التفكير في استحداث مؤشر جديد لقياس الابتكار الاجتماعي يكون مدخلا عالميا مهما لدفع المجتمع للاستمتاع بلذة الإنتاج الابتكاري، لأن السعادة في النجاح أمر فطري، وبالمحصلة ستدفع جودة الحياة للأعلى.

@zuhairaltaha