ماذا يعني حراج النخبة

يصدق الاسم على المسمى أحياء النخبة وحراج النخبة، وهو ما كان حديث أهل الرياض في الأيام الماضية وحديث كل مواطن منذ زمن بعيد عن الأرض وعن ثمنها ومن يملكها ومن يستطيع أن يستغني عنها، وبصفتي من سكان الرياض وأعمل في الجامعة التي تحيط بها أحياء النخبة وسكانها فقد شغلني ما شغل الناس، وأهمني ما أهمهم، ولهذا لا أرى بأسا من أن أعطي القارئ لمحة بسيطة عن النخبة من موات الأرض ومن البشر، لأن موات الأرض ينال حظا من التفاوت والارتفاع أو الانخفاض مثل الناس في حظوظهم.

والأحياء المذكورة خلقت وخططت وصممت لتكون مختلفة عن كل الأحياء في الرياض، فشوارعها ومساحات القطع السكنية فيها وحتى موقعها الجغرافي نالته يد العانية الحانية ليكون متميزا في كل شيء، والمالك لكل هذه الأحياء ليس البلدية أو المخططات العشوائية، إنما المخطط والمنفذ والمالك هو وزارة المالية وأملاك الدولة وكل يعرف سلطة وزارة المالية وهيبتها وأنها غير كل الوزارات وغير كل المؤسسات، والله يعطي فضله من يشاء، لكن ليس هذا هو المهم، المهم أن هذه الأحياء الثلاثة خصصت ومنحت للنخبة أيضا، للكبار أيضا، وذلك قبل ست وثلاثين سنة مضت.

ما حدث في حراج النخبة كان هو حديث الوسط العقاري وحديث الناس الذين يحلمون بقطعة أرض مهما كان حيها ومساحتها.

والمثل يقول الجائع يحلم بسوق العيش.

حراج النخبة أثار سؤالين مهمين، الأول كيف استطاعت أملاك الدولة إخفاء هذه القطع الأربع والثمانين كل هذا الزمن الطويل واحتفظت بها في الوقت الذي تمتد فيه أيدي الأقوياء إلى المرافق العامة، وليس القطع المخصصة للسكن والارتفاق بها، وهو موقف يحسب لأملاك الدولة وتشكر عليه.

أما السؤال الثاني والمهم فهو ما حدث من مبالغة في أسعار هذه القطع بالذات في الوقت الذي كان الناس يروجون نزول العقار، وكل المؤشرات تدل على الركود الذي يخيم على السوق منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث لا يجد من يريد البيع بالثمن الذي يستطيعه المشتري لا يجد الأرض بالسعر المناسب الذي يستطيع دفعه كان الركود هو سمة التعامل بالعقار منذ أكثر من عامين والناس يتوقعون انحدارا عميقا في الأسعار ويتمنون ذلك، إلا ملاك الأراضي وأباطرتها الذين يملكون زمام حركة السوق ويوجهونه حيث يشاؤون وهم بلا شك يستطيعون ذلك ويعملون عليه.

كان حراج النخبة فرصة سانحة لهم ليعيدوا الاهتمام ويحركوا الراكد فيه، وليس ذلك فحسب، بل يبرهنون على أن سوق العقار كما كانوا يقولون في أمثالهم ودعاياتهم المكررة يمرض ولا يموت، وأن الناس ما زالت تجد من فيض المال ما تدفع حتى وصل سعر المتر المربع في مثل مدينة الرياض وفي طرف من أطرافها أكثر من سبعة آلاف ريال، وهو مبلغ لا شك أنه مؤشر قوي لدى تجار العقار يحرك الأمل بأن الأرض ما زالت أغلى مما كانت، ويكفي مثلا أن قطعة أرض واحدة تجاوز سعرها اثني عشر مليون ريال في حراج النخبة.

لقد أنعشت الأسعار في حراج النخبة أمل العقاريين بصمود الأرض وأبعدت شبح الانهيار عن أسعارها، وهو ما سعى إليه العقاريون الذين غصت بهم خيمة الموقع للنجش ورفع السعر حتى تجاوزت كل ما توقعه الناس.

أما الجانب الآخر والعبرة مما حدث في هذا الحراج، فهو تأكيد المشكلة التي يعاني منها الناس وهو ارتفاع ثمن المتاح منها، حيث لا يستطيع العدد الكبير من المواطنين أن يحصلوا على قطعة أرض مهما كان دخلهم، وهذا لن يساعد على حل مشكلة السكن التي استعصت على الحلول وسيزيدها تعقيدا.