كلنا مثقفون لنقد المجتمع ولكن!

في كل المجتمعات البشرية على مر التاريخ يتواجد المثقفون

في كل المجتمعات البشرية على مر التاريخ يتواجد المثقفون

الأحد - 13 سبتمبر 2015

Sun - 13 Sep 2015



في كل المجتمعات البشرية على مر التاريخ يتواجد المثقفون.

وتحديد جودة المثقف في كل المجتمعات تحكمها درجة حضارة المجتمع.

ففي المجتمعات المتخلفة أو غير المتحضرة يمثل الكاهن والعراف والمشعوذ والشاعر والملم بأمور الأنساب والراوي للأحداث دور المثقف.

أما في المجتمعات المتحضرة فالمثقف هو الجامعي والفيلسوف والعالم والموظف والمحامي والشاعر والفنان والإعلامي والصحافي والطبيب وغير ذلك من صناع المهن والعاملين فيها.

جودة المنتج الثقافي التي تبرز وجود كل هؤلاء تحكمها صياغة الجملة وانتقاء المفردة المناسبة للحدث المناسب وحسن توظيف المعلومة واستخلاص الحكمة.

فالمثقف وفق الاتفاق العام هو من يسهم بشكل مباشر في نقل ونقد الأفكار وابتكار الرأي بما من شأنه إضاءة الانتباه في عقل وتفكير الآخر، وليس شرطا أن يكون المثقف هو السائس لتوجيه الرأي العام مباشرة، لأن ذلك شأن السياسي في أغلب الأحيان في المراحل التنفيذية لإقرار الفكرة والرأي غير القابل للمزيد من التجاذبات والمعارضات.

تأتي مشكلة المثقف أحيانا في لاوعيه بنوعية الثقافة التي يحملها بين طيات فكره وكيف يمكن له أن يتبنى تشكيل تفاصيلها وتشذيب مكوناتها بتفان ودقة حتى يمكنها اللمعان، بمعنى آخر ما يميز المثقف البارز أو أسميه (الصافي) عن البقية هو عمله الدؤوب على تجميل وتصييغ أفكاره وعزلها عن الاختلاط بباقي مكونات الفكر حتى لا تقل نكهتها ويتحول إلى مثقف أسميه (مختلط).

ولذلك نرى في عالم السوشيال ميديا خفوتا لوهج المثقف الصافي نوعا ما ليس لما يعصف به أحيانا من رياح تخلط عالم أفكاره بل لأن الجماهير تملك حصيلة منوعة من بساتين الفكر والمعرفة ذلك التنويع (مثقفين مختلطين) رغم أهميته في تشكيل الوعي العام إلا أن عدم التعمق في أحد بساتينه هو ما يعوق ظهور المثقف الداخلي (الصافي في مجال معين).

كما أن تلوين هوية المثقف في الوعي العام في الفترات الماضية وحصره على الأدب والشعر والبلاغة والقصة هو ما جعل الرؤى قاصرة حول وجود مثقفين من بحور فكرية شتى، وأصاب الباحث عن المثقف بالتشيع وربما الضجر من أحادية هذه الثقافة الأدبية والتي قد لا تكون متواكبة مع الفترة الزمنية الحالية التي يعصف بها الحدث السياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والطبي والحربي.

فاقتصرت الثقافة من الماضي على معنى البلاغة الأدبية في صياغة الكتابة شعرا ومقالا ونثرا تماما كما قصرت وصفة عالِم على الرجال المتخصصين في العلوم الإسلامية، برغم أن وصفة عاِلم يندرج تحتها خبراء التقنية والمخترعون والفلاسفة وعلماء الطبيعة والفلك وغيرهم.

وحضور الأخيرين تحت مظلة المثقف هو ما يشعل أنوار التحضر العلمي والرفاهية الاجتماعية لدى أفراد المجتمعات المتحضرة.

ما ينشأ بين الفترة والأخرى من رفض للمثقف «الصافي» في وجدان المثقف «المختلط» هو عدم مواكبة إنتاجه الفكري أو الفلسفي مع الحدث الجاذب للاهتمام.

كما أن وجود نزعة عنصرية من المثقف «الأدبي/‏‏ الفني» في رفضه لوجود المثقف غير الأدبي «كالعلمي والسياسي والاقتصادي» هو ما أصاب هالته بالخفوت في ظل تغير صبغة ولون الوعي الجماهيري الحالي والذي يشكل الشباب فيه حوالي 70% ولا تهمه الثقافة الأدبية بقدر اهتمامه بالثقافة الرقمية والتقنية والعلمية وغيرها.

المثقف ناقد للمجتمع وعنصر للتغيير فيه، وكل فرد في المجتمع عضو مثقف بدرجة معينة، ولكن هل يبحث كل مثقف فينا داخل «كراجه الفكري» عما يحتاج إليه الآخر؟!