قضية مؤرقة.. وتجاهل مريب!
في بعض الأحيان يستغرب المرء، بل يشك عميقا في قدرات أمتنا العقلية، واستسلامها إلى درجة اليأس من إفاقتها، وقد كرست كل جهودها إلى استنساخ أفكار الآخرين، وهذا الاستنساخ غالبا كان في فترة السبعينات والثمانينات الماضية، وقد جمد حتى الاستنساخ، فلم تُطوّر جلّ تلك المستنسخات، وربما يشيب أحفادنا وهي كذلك.
في بعض الأحيان يستغرب المرء، بل يشك عميقا في قدرات أمتنا العقلية، واستسلامها إلى درجة اليأس من إفاقتها، وقد كرست كل جهودها إلى استنساخ أفكار الآخرين، وهذا الاستنساخ غالبا كان في فترة السبعينات والثمانينات الماضية، وقد جمد حتى الاستنساخ، فلم تُطوّر جلّ تلك المستنسخات، وربما يشيب أحفادنا وهي كذلك.
الجمعة - 11 سبتمبر 2015
Fri - 11 Sep 2015
في بعض الأحيان يستغرب المرء، بل يشك عميقا في قدرات أمتنا العقلية، واستسلامها إلى درجة اليأس من إفاقتها، وقد كرست كل جهودها إلى استنساخ أفكار الآخرين، وهذا الاستنساخ غالبا كان في فترة السبعينات والثمانينات الماضية، وقد جمد حتى الاستنساخ، فلم تُطوّر جلّ تلك المستنسخات، وربما يشيب أحفادنا وهي كذلك.
وحقا، بودي أن أجري دراسة على كل الأفكار القديمة التي لا تزال سائدة عندنا، وقد أقلع مخترعوها القدماء عنها، وبقيت تراثا حيا لهم عندنا، يرون فيها ماضيهم أيا كان لونه، لكن ربما يتصدى لهذه المهمة شبابنا العائدون من الابتعاث، فكثير من الآمال نعلقها عليهم.
القضية التي سأناقشها، قضيةٌ لها ارتباط وثيق بحياة الناس، ومقدرات الوطن، وكذلك بمدى قدرتنا على خلق أفكار جديدة تسهّل حياة الناس، وتحفظ أرواحهم ومقدراتهم، وهي في الحقيقة لا تلفت كثيرا من الناس، وكذلك حتى الجهات البلدية، وهندسة المدن الحديثة، ووزارة النقل، رغم أنها تؤدي بحياة الكثيرين سنويا، ولا أملك إحصائية رسمية لعدد قتلاها، وسجناء حوادثها، لكن من خلال بعض المشاهدات، وما أسمعه عن كثير من حوادثها؛ شكّلت في جمجمتي هاجسا لا يهدأ كلما رأيتها أو سمعت عن نكباتها.
هذه القضية تتمثل في (جسور المشاة) المنتصبة في الكثير من مدننا على خيباتها حتى صارت معالم شهيرة، ولم تشهد أي تطوير أو التفاتة إليها، بل المؤسف أنها لا تزال تُبنى وتُنفذ بذات الطراز، وقد تنازل المصممون الجدد عن شكلها الخشبي الفخم بأقواسه وألوانه الداكنة، إلى تصميمها بمواسير الحديد بأشكال تعكس صورة تعيسة لذوقنا الجمالي، ولا تحمل علامة مميزة لثقافتنا أو تراثنا.
في لقاء سعادة أمين محافظة الطائف بالإعلاميين، حضرت قضية (كباري المشاة) ضمن جوقة من أسئلتي له، فأجاب أن الميزانيات المرصودة لها بالكاد تفي بإنشائها على شكلها الحالي، ولم يذكر توجها إلى تطويرها، ولو ألقينا نظرة على هذه الجسور عن كثب، سنجدها ترتفع لأكثر من خمسة أمتار عن الطريق لتسهيل مرور الشاحنات بحمولاتها المرتفعة، وهذا الارتفاع ليس مشكلا في حقيقته، لكن التعامل معه بالسلالم الخرسانية الثابتة (الدرَج) هو المشكل، فارتفاع السُلّم الشاهق يرهق الأصحاء، فما بالك بكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة؟ ما يحدو الكثيرين إلى عبور خطر الطرق السريعة بدلا عن تسلق تلك السلالم، وتكفي نظرة واحدة على جسر المشاة المعلق بين ضفتي (الحوية) على الطريق السريع (الطائف ـ الرياض)، وعبور المشاة من أسفله للضفة الأخرى، ما تسبب في العديد من حوادث الدهس، وقد شاهدت بعضها بنفسي، فكان الحل كعادتنا العاطفية أمام الحوادث لإرضاء ضمائرنا أننا قمنا بفعل تجاهها، فأي شارع يدهس فيه إنسان تسارع الجهات إلى زرع مطبات صناعية، أما هنا فقد أرضت البلدية أو وزارة النقل ضميرها بتلحيم سياج حديدي بدائي بين اتجاهي الطريق، لم يلبث أن فلّجه المشاة؛ لأن المشكلة قائمة، والحل العاطفي لا يجدي نفعا.
مشكلة جسور المشاة مشكلة وطنية عامة، وتمثّلي بالحبيبة الطائف؛ لأنني أعايش هذه القضية وأود تقريب الصورة بأمثلة منها، فلو أخذنا كبري المشاة الممتد على شارع خالد بن الوليد مثلا، الذي يربط بين أسواق العنقري الشعبية، وسوق الخليج المقابل، لرأينا الجسر شامخا، تجني البلدية منه دخل الإعلان الضخم، لكنه لا يؤدي الدور الذي أُسس من أجله، مما يضطر العائلات والعابرين إلى عبور الشارع، حتى صارت تلك النقطة مزدحمة باستمرار، ولو فتشنا سجلات المرور لوجدنا حوادث دهس فيها، وقس على ذلك معظم الجسور في مدننا.
هذه المشكلة المؤرقة يجب أن تُحل عاجلا، وعمليا بحلول تأخذ في الاعتبار راحة الإنسان، وثقافة مجتمعنا العجول الكسول، وقبلها الحفاظ على سلامته، ثم اعتبار حالة كبار السن والبدناء وذوي الاحتياجات الخاصة، فلو استُبدلت هذه الجسور بأنفاق من تحت الطريق أو الشارع، لكانت حلا لمشكلة (دورات المياه العامة) إذ تُزوّد بها ضفتيها، ولكان بجوار الدرج ذي الدرجات الواسعة المريحة ممر خاص لعربات المعاقين، وليست المسائل الأمنية ذات بال في هذا الشأن؛ لأن البلدية ستزوّد تلك الأنفاق بكاميرات خاصة، تكشف أي فعل إجرامي خارج أوقات الاكتظاظ، أما عداها فحركة العابرين تردع كل فكرة منحرفة، وكذلك الإضاءة القوية، والصيانة الدورية المستمرة، أو تأجير أكشاك للبائعين الجائلين بأجور رمزية داخلها، ولو وظّفت حراسات خاصة لما خسرت شيئا؛ لأن روح إنسان هذا الوطن والمقيمين عليه أغلى من أن تهدر رخيصة، كي نوفر مبلغا من المال (الله أعلم أين سنهدره)، فلو حسبنا كلفة السلالم المتحركة للجسور القائمة، سنجدها عالية، خاصة في مجال الصيانة والاستخدام على المدى الطويل، أما (الأصانصير) فلن أتحدث عن أرق انتظاره، وعجلتنا.