طفرات القمح والأعلاف والزيتون.. والمشكلة المائية

الذهب الأزرق هو عصب الحياة والعمود الفقري للتنمية المستدامة

الذهب الأزرق هو عصب الحياة والعمود الفقري للتنمية المستدامة

الثلاثاء - 24 مارس 2015

Tue - 24 Mar 2015

الذهب الأزرق هو عصب الحياة والعمود الفقري للتنمية المستدامة.
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (47/193) وتاريخ 22 ديسمبر 1992م أن يوم 22 مارس من كل عام هو اليوم العالمي للمياه، وكان أول احتفال عالمي بهذا اليوم هو 22 مارس 1993م وجرت العادة أن يتم اختيار شعار لكل سنة يربط المياه مع نواحي الحياة المختلفة.
من أهداف اليوم العالمي للمياه هو رفع مستوى الوعي لدى كل من صانعي القرار ومستخدمي المياه بأهمية المحافظة عليها وترشيد استخدامها وتنظيم طرق الانتفاع بها بما يحقق العدالة في استخدامها لكافة الأغراض على أسس مستدامة تضمن حق الانتفاع بها لهذا الجيل وللأجيال القادمة.

بعد مضي 22 عاما على بداية الاحتفال باليوم العالمي للمياه، هل حققت الأيام والأسابيع العالمية أهدافها أو جزءا من أهدافها؟ هل ارتفع مستوى الوعي المائي في المملكة؟ هل تحقق شيء من ذلك على أرض الواقع؟ هل نحن نسير باتجاه التنمية المستدامة فيما يتعلق بالاستخدام الأمثل لمصادر المياه في المملكة؟
من خلال معايشتي للوضع المائي خلال العقود الأربعة الماضية فنحن وللأسف الشديد نسير بالاتجاه المعاكس للتنمية المستدامة المعتمدة على مصادر المياه.
استهلكت المملكة في عام 2013م (22,260) مليون متر مكعب من المياه من مختلف المصادر موزعة على النحو التالي (2,731) مليون متر مكعب للأغراض البلدية و(890) مليون متر مكعب للأغراض الصناعية و(18,639) للأغراض الزراعية.
ولتأكيد ما أشرت إليه فإن استهلاك المملكة في عام 2007 كان (18,081) مليون متر مكعب موزعة على القطاعات المختلفة (1,978) مليون متر مكعب للأغراض البلدية و(683 ) مليون متر مكعب للأغراض الصناعية و(15,420) مليون متر مكعب للأغراض الزراعية.
وجدير بالذكر أن أكثر من 90% من المياه المستهلكة لكافة الأغراض هي مياه جوفية غير متجددة مختزنة في الطبقات المائية منذ أكثر من عشرين ألف سنة مضت والله أعلم.

صدرت خلال السنوات الماضية عدة قرارات بهدف المحافظة على المياه وكان أبرزها القرار الشهير رقم (335) المعروف بقرار التخفيض التدريجي لاستلام محصول القمح الذي كان وقت صدور القرار يعد المستهلك الرئيس للمياه الجوفية غير المتجددة، وكنا نتوقع أن يكون لهذه القرارات آثار إيجابية على أوضاع المياه الجوفية لكن واقع الحال خالف التوقعات حيث تحول المزارعون إلى زراعة الأعلاف بدلا من زراعة القمح حيث يستهلك هكتار الأعلاف أكثر من أربعة أضعاف استهلاك هكتار القمح.
فرح الشامتون وغردوا وينادون الآن بالعودة لزراعة القمح توفيرا للمياه.
أقول دائما لا تحل المشاكل بخلق مشاكل أخرى فزراعة القمح والأعلاف خطر يهدد الأمن المائي في المملكة.
للمعلومية تستهلك الأعلاف والحبوب والنخيل فقط 89% من إجمالي استهلاك القطاع الزراعي.

أعترف أن كل من كان ينادي بضرورة ترشيد المياه والمحافظة عليها لمصلحة هذا الجيل والأجيال القادمة قد فشل فشلا ذريعا وأنا منهم.
يعزى فشلنا إلى عدة أسباب أهمها غياب الأنظمة والتشريعات والقوانين المنظمة للزراعة والمياه واستخداماتها بسبب التأخير غير المبرر لإصدار الاستراتيجية الزراعية التي مضى على بداية العمل بها نحو (16) سنة وكذلك الاستراتيجية الوطنية للمياه التي مضى على بداية العمل بها نحو (13) سنة.

من الأسباب كذلك غياب دور كل من وزارتي المياه والكهرباء والزراعة عما يجري ويدور على أرض الواقع, وكذلك التعاون شبه المفقود بين الوزارتين والقطاع الزراعي، حيث لا يوجد أي أثر لتدخل أي من الوزارتين في توجيه القطاع الزراعي وتحديد نوع المحاصيل المناسبة لكل منطقة حسب الميز النسبية وحسب مصادر المياه المتاحة.
النتيجة أننا ننتقل من طفرة لأخرى دون حساب العواقب! فمررنا بطفرة القمح ثم طفرة الأعلاف وطفرة النخيل وأخيرا طفرة الزيتون.

همسة في أذن كل من يعتقد أن الأمن الغذائي يتمثل في زراعة القمح داخل المملكة, القمح ليس غذاءنا الوحيد فقط ، فكل أنواع الأغذية المتوفرة في أسواقنا سلع غذائية مستوردة كما أن الزراعة ليست زراعة قمح وأعلاف فقط بل هناك أنشطة زراعية تساهم في الأمن الغذائي ولا تهدد مصادر المياه المستمرة في التناقص والمتجهة للنضوب مثل مشاريع الدواجن ومشاريع الأسماك التي لا نزال في المملكة بعيدين عن تحقيق الاكتفاء الذاتي منها.

يستهلك القطاع الزراعي في المملكة حاليا من المياه الجوفية غير المتجددة ما يعادل 33% من حصة مصر من نهر النيل المتجدد.
فمصر تعتمد اعتمادا كبيرا على المياه المتجددة، ولاحظنا التحركات الدبلوماسية والفنية التي صاحبت قيام أثيوبيا ببناء سد كبير على أعالي نهر النيل خوفا من تأثر حصة مصر من تدفق نهر النيل، بل وصل الأمر أن هدد أحد زعماء مصر السابقين بالتدخل العسكري لو تأثرت حصة مصر من نهر النيل, ونحن في المملكة نستنزف ما يعادل ثلث نصيب مصر لكن من المياه الجوفية غير المتجددة، والاستمرار في ذلك بعد ظهور النتائج السلبية التي لا تخفى على كل ذي بصيرة يعد خطأ استراتيجيا ستندم عليه المملكة فيما بعد إن لم يتم تدارك الوضع بشكل عاجل.


*عضو مجلس الشورى - وكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون المياه سابقا