حرب البكتيريا معركة المصير المقبلة

أصبح هـ.ك. الذي كان يتمتّع بصحة جيدة قبل أن يصاب بوعكة صحية بسيطة مثالا لنوعية المعركة المفروض على العالم خوضها بدءا من اليوم لسنوات عديدة مقبلة نتمنى ألا تطول كثيرا وينجح العلماء في حسمها لمصلحة البشر.

أصبح هـ.ك. الذي كان يتمتّع بصحة جيدة قبل أن يصاب بوعكة صحية بسيطة مثالا لنوعية المعركة المفروض على العالم خوضها بدءا من اليوم لسنوات عديدة مقبلة نتمنى ألا تطول كثيرا وينجح العلماء في حسمها لمصلحة البشر.

الثلاثاء - 17 مارس 2015

Tue - 17 Mar 2015



أصبح هـ.ك. الذي كان يتمتّع بصحة جيدة قبل أن يصاب بوعكة صحية بسيطة مثالا لنوعية المعركة المفروض على العالم خوضها بدءا من اليوم لسنوات عديدة مقبلة نتمنى ألا تطول كثيرا وينجح العلماء في حسمها لمصلحة البشر.

وتتلخص الصدمة التي صدمها هـ.ك كما يقول موقع سويس انفو في 4 كلمات «انتفاء فعالية المضادات الحيوية».

ونتيجة لهذه المشكلة، فقـد هـ.ك.القدرة على العمل، ولم يستطع الوقوف على قدميْه ثانية، إلّا بعد انقضاء أسابيع عديدة.

لقد بات تهديد الجراثيم المتعددة المقاومة حاليا أكبر من أيّ وقت مضى.

فقد بدأ كل شيء مع هـ.ك بمجرد سُعالٍ خفيف، وعندما ازداد الأمر سوءا بعد عدّة أيام، توجه إلى طبيب العائلة، الذي شخَّص الإصابة بـ»التهاب رئَوي لا نمطي».

ومع التوجّه السريع لمؤشرات الالتهابات لديه نحو الأسوأ، اضطر الطبيب إلى وصف أحد المضادات الحيوية.

وبعد مرور خمسة أيام، لم تظهر هناك أي بوادِر للتحسن - بل على العكس، وِفقاً لـ هـ.ك.، الذي اضطر إلى ملازمة الفراش لعدة أسابيع، وهو يعاني من حمى شديدة.

في نهاية المطاف، قام الطبيب باستبدال المضاد الحيوي، مما أدى إلى تحسن مؤشرات الالتهابات بعد يومين.

بَيد أن هذا الحظ الجيد لا يحالف جميع المرضى، حيث يفقد المزيد من الأشخاص حياتهم سنويا بسبب المقاومة للمضادات الحيوية.

ويقدر عدد الأشخاص الذين يتوفون سنويا في بلدان الاتحاد الأوروبي نتيجة الالتهابات التي تسببها البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، بـ 25,000 شخص، مما استدعى تظافـر الجهود لمكافحة هذه الظاهرة والتصدّي لها على نطاق وطني ودولي.

وتجتهد منظمة الصحة العالمية في إعداد استراتيجيات لمراقبة استهلاك المضادات الحيوية.



صناعة المشكلة



وتكمن تفاصيل المشكلة في الاستخدام المفرط وغير الملائم للمضادات الحيوية في الطب البشري (مثل وصْف الطبيب لأدوية غير ضرورية، نتيجة التشخيص غيْر الدقيق، وتناولها بجـرع خاطئة من قبل المريض)، وكذلك في الطب البيطري، من خلال إضافتها إلى طعام المواشي لتسريع نموها، واستخدامها - غير الفعال - لمكافحة الأمراض الفيروسية، الذي يؤدّي بالنتيجة إلى عدم القضاء على هذه البكتيريا.

أما العواقب، فتتمثل بقدرة البكتيريا على حماية نفسها من المضادات الحيوية والمحافظة على نشاطها بشكلٍ أسرع، من خلال تطويرها لمقاومة كامِلة ضد هذه الأدوية.

ويقول رئيس المركز السويسري لمقاومة المضادّات الحيوية أندرياس كرونينبرج وهو من معهد الأمراض المُعدية في جامعة برن: ظهر بالفعل لدينا عدد من الوفيات في سويسرا بسبب عدم القدرة على معالجة بعض المرضى، نتيجة المقاومة للمضادات الحيوية.



الاستخدام الخطأ



وترى رئيسة الأطبّاء في قسم الأمراض المُعدية في مستشفى جامعة زيورخ آنليز تسينكيرناجل، أن التهديد الأكبر يأتي ممّا يُسمّى بالجراثيم السَّلبية الجرام المُقاومة للعديد من الأدوية.

وتتكاثر هذه الجراثيم، نتيجة الاستخدام الواسع النطاق للمضادّات الحيوية في تربية الحيوانات وبيعها دون وصْفة طبِّية، فضلا عن استخدامها المفرط أو عدم استخدامها على النحو الصحيح.

وتابعت من المهم أن تستخدم المضادات الحيوية بشكل محدد جدا، فالعديد من المسافرين الذين يعودون من الهند مثلا، يحملون مستعمرات من الجراثيم السلبية الجرام المُتعدّدة المقاومة.

والأشخاص الذين يُعانون من جهاز مناعي ضعيف، هـم الأكثر عـرضة للخطر، ولكننا نجد أشخاصا أصحاء أيضا من بين حاملي هذه البكتيريا المتعددة المقاومة، مثل المسافرين.

ولهذا السبب، تشدد تسينكيرناجل على أهمية البرامج التي تروج للاستخدام السليم للأدوية وتعزيز أساليب النظافة والوقاية، مثل تعقيم اليدين أو اللقاحات.



تسارع مخيف



ويؤكد موقِع المركز السويسري لمقاومة المضادات الحيوية على أن المقاومة للمضادات الحيوية تزداد في جميع أنحاء العالم «بوَتِيرة وبائية».

وبِحَسَب كرونينبيرج لا يوجد هناك عدد عام للحالات، ويضيف وينبغي أن نميز دائما بين نوع الكائنات الدقيقة ونوعِ المضادات الحيوية التي نتحدث عنها.

وهكذا مثلا يرتفِع معدل مقاومة بكتيريا «الإشريكية القولونية» (أو الـ إي كولاي، وهي جراثيم تعِيش في أمعاء الإنسان والحيوان) ضد المضادات الحيوية من مجموعة الـ»بيتا لاكتاماز» الواسعة الطـيف (ESBL) في سويسرا سنويا بنسبة %1 في الوقت الراهن.

وهذه الزيادة أعلى في دول أخرى ففي الهند مثلا تزداد وتيرة هذه المقاومة بنسبة %80، وِفقا لأخصائي الأمراض المعدية.

بمعنى أن شخصا واحدا فقط من بين كل خمسة أشخاص، يستجيب لهذه الأدوية.

واقترحت الحكومة السويسرية مؤخرا استراتيجية وطنية لمكافحة المقاومة للمضادات الحيوية، تحظى بدعم مختلف المكاتب الفيدرالية.

ويهدِف هذا المقترح بشكل رئيس إلى الحفاظ على فعالية المضادات الحيوية عند الأشخاص والحيوانات على المدى الطويل.

وتحاول هذه الاستراتيجية إشراك جميع الأطراف الفاعلة وعدم تركيز الاهتمام على الطب البشري أو الطب البيطري فقط.

وينصب الاهتمام في هذه الاستراتيجية، على حماية السكان، والحيلولة دون انتشار هذه المشكلة قدر الإمكان، وعرقلة انتقال العدوى داخل المستشفيات.

وتتمثل إحدى التدابير الرئيسة في الرصد الشامل لاستخدام المضادات الحيوية وحالات المقاومة لهذه المضادات في الطب البشري والطب البيطري وفي مجال الزراعة والبيئة.

وسوف تكون هذه الاستراتيجية موضوع تشاور بين المنظمات والأطراف المهتمة، حتى شهر مارس المقبل.

بعد ذلك سيتم توثيقها ومن ثَـم اعتمادها من قبل المجلس الفيدرالي (الحكومة السويسرية) بحلول نهاية 2015.



أدوية الملاذ الأخير



تبذَل كثير من الجهود العالمية لمعالجة مشكلة المقاومة للمضادات الحيوية.

وفي عام 2014، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرها الأكثر شمولا حول المقاومة للمضادات الحيوية، والذي كشف عن بلوغ مقاومة بعض أنواع البكتيريا للمضادات الحيوية حدا خطيرا في مناطق متعددة من العالم، مهدّدة بذلك القدرة على علاج أنواع عدْوى شائعة في المجتمع المحلي والمستشفيات.

وفي مؤتمرها الثامن والستّين، الذي سيعقَد في مايو المقبل، تعتزم منظمة الصحة العالمية اقتراح خطة عمل عالمية.

وكما تحذر المنظمة، فإن من شأن انتشار المزيد من المقاومة للمضادات الحيوية، القضاء على العديد من الاختراقات الطبية التي شهدها القرن الماضي، كما أن تأثيرها قد يكون مدمرا.

وتحذر منظمة الصحة العالمية من الانتشار الواسع النطاق للمقاومة للمضادات الحيوية من نوع الفلوروكينولونات، المستخدمة لعلاج الالتهابات التي تتسبب بها الإشريكية القولونية، موصية بعدم صرف واستخدام المضادات الحيوية، إلا عندما تكون هناك حاجة فعلية إلى ذلك، وإكمال العلاج المقرر حتى النهاية، كما تطالب بنظام لتتبّع ورصد مشكلة المقاومة للمضادّات الحيوية، لمنع حدوث الالتهابات.