الوزير والتنمية: أدلجة الموقف والتقييم

عندما بدأت تعود الحياة تدريجيا لوزارة التجارة والصناعة، وأخذ المواطن يشعر بوجودها في قضايا عديدة، فإن ميزة هذه العودة في تدرجها التصاعدي.. وبدون خلفية صراعية، وفقاعة إعلامية. في البداية كأن

عندما بدأت تعود الحياة تدريجيا لوزارة التجارة والصناعة، وأخذ المواطن يشعر بوجودها في قضايا عديدة، فإن ميزة هذه العودة في تدرجها التصاعدي.. وبدون خلفية صراعية، وفقاعة إعلامية. في البداية كأن

الأحد - 07 ديسمبر 2014

Sun - 07 Dec 2014



 





عندما بدأت تعود الحياة تدريجيا لوزارة التجارة والصناعة، وأخذ المواطن يشعر بوجودها في قضايا عديدة، فإن ميزة هذه العودة في تدرجها التصاعدي.. وبدون خلفية صراعية، وفقاعة إعلامية. في البداية كأن الفرد العادي لم يصدق.. فقد توقع بأنها مجرد حماس موقت، كعادة أي مسؤول جديد! هذه اليقظة كانت من بوابة.. هم المواطن اليومي، فقد مرت سنوات لا يعرف الكثير من أبناء المجتمع من هو وزيرها، إلا من لديهم أنشطة تجارية. وظلت لعقود طويلة حكاية حماية المستهلك، والغش التجاري، ووكالات السيارات وغيرها، وليمة صحفية يومية.. في مقال أو تحقيق أو كاريكاتير.

لم يسبق هذا التطور تغطيات صحفية وبروباغاندا وفلاشات شخصية، وإنما حضور جاد وعملي وموفق في استغلال مواقع التواصل الاجتماعي.. لمعالجة المشكلات مباشرة، وتجاوز للبيروقراطية. هذه التجربة لا زال أمامها الكثير من التحديات العملية، لضبط مخلفات قديمة في المجال التجاري، وإعادة ثقة المواطن بأن هذه الجهات تهتم بمصلحته، ولست مع المبالغة في الاحتفاء بها. ما هو مزعج أن تتحول مثل هذه النماذج إلى منطقة صراع فكري، ومواقف تعيق التقييم الموضوع للأداء كما حدث لوزارة العمل.. فقد عطلت المواقف الفكرية حول بعض الجوانب، الرؤية للأداء بصورة عامة. وكما حدث أيضا لوزارة الإعلام قبل سنوات.. وفي الفترة الأخيرة. وكثيرا ما ظهرت مثل هذه المواقف في وزارة التربية والتعليم وغيرها.

للأسف يحدث هذا بمجرد مقالة أو تغريدة، تؤطر الرؤية بملامح أيدولوجية ليثور صراع عبثي، لا يخدم التنمية وهمومها. فمثلا عندما نشر خبر طرح البنك الأهلي للاكتتاب، مرت بعد الخبر فترة هادئة بلا ضجيج. لأن سوق الأسهم منذ بداياته يتعامل مع الاستثمار وفق تنوع يعرفه المستثمر ويحدد خياراته اقتصاديا وفقهيا .. بعيدا عن الصراعات والمواقف. لكن عندما جاءت مقالة الكاتب جاسر الجاسر في الحياة بعنوان «اكتتاب البنك الأهلي: سطوة «الصحوة» أم سقوطها؟ « وهي مقالة ينقصها التصور لطبيعة سوق الأسهم، والاكتتابات وتفاصيل مالية أخرى. كانت المفاجأة بأن الموضوع أصبح في هاشتاق تويتري فتضخمت القضية، وكأنه تم إعادة اكتشاف البنوك في مجتمعنا! وتحول الموضوع إلى صراع من نوع آخر، ووجد الكثير من العاطلين في الصراعات الفكرية فرصة لصناعة انتصارات وهمية، مع أنه لم يغير هذا الحدث من حقيقة السوق شيئا.

وكان عنوان المقال الآخر الذي كاد أن يتحول إلى صراع جديد بعنوان (توفيق الربيعة «إخواني»!) إلا أن المقالة كانت إيجابية، وهي أحد أساليب كتابة الجاسر «المخاتلة» عادة. لكن ما كتبه الكاتب هاني الظاهري قبل أيام.. بعنوان «مسؤول الفلاشات السرية» أخذ اتجاها غير مفهوم، وكان يستطيع أن يقدم نقدا ذكيا، وتنبيها راقيا.. لممارسة قد تؤثر سلبيا على ما هو أهم.. لكن اتجاه المقال أخذ بعدا يسمم كثيرا أجواء النقد في قضايا التنمية وهموم المجتمع. الرؤية الشعبية لأداء الوزارات والمؤسسات الحكومية، تكون عادة وفقا للمنجز على أرض الواقع، ولهذا عندما نعود إلى الخلف أكثر من نصف قرن، فإن ذاكرتنا وذاكرة أكثر من جيل تحتفظ بتقدير للكثير من الأسماء والشخصيات التي خدمت وطنها بكفاءة إدارية. بعد منتصف الثمانينات الميلادية بدأت هذه المواقف ترتبك، وتتأثر بالمواقف الفكرية، بصورة حادة مع صراعات الصحوة، لكن زمن الصحوة المؤثر فعلا كان محدودا في إطار زمني وانتهت الكثير من مقوماته.. مهما حاول البعض تمطيطه.. فقد حدثت تغيرات عديدة بعد منتصف التسعينات، كانت سببا في إعادة هيكلة الكثير من المواقف والآراء والصراعات. إن أهمية عزل المواقف الفكرية، وأن لا يكون التقييم لأداء المؤسسات بناء على رؤى مؤدلجة، يساعد المجتمع على التقييم العادل لتجربة كل وزير ومسؤول في مؤسسة حكومية ودوره في التنمية.