لوزارة الصحة: رقاة يصرفون الأدوية النفسية والمضادات الحيوية!

التمادي في الزيادة المفرطة لدينا في أعداد الصيدليات التجارية وصرف الأدوية دون وصفة طبية، يعدان من الخوض في الأحاديث الشعبية القديمة. الأسبوع الماضي بحثت في Google عن تركيبات كيميائية عشوائية فأوصلتني الصدفة إلى منتدى للرقية «الشرعية»! حيث تحول الراقي من مجرد نافث للعاب على المرضى وبائع للوصفات الشعبية إلى طبيب نفسي، مخولا لنفسه فتح ملفات للمرضى في «عيادة» داخل منزله!

التمادي في الزيادة المفرطة لدينا في أعداد الصيدليات التجارية وصرف الأدوية دون وصفة طبية، يعدان من الخوض في الأحاديث الشعبية القديمة. الأسبوع الماضي بحثت في Google عن تركيبات كيميائية عشوائية فأوصلتني الصدفة إلى منتدى للرقية «الشرعية»! حيث تحول الراقي من مجرد نافث للعاب على المرضى وبائع للوصفات الشعبية إلى طبيب نفسي، مخولا لنفسه فتح ملفات للمرضى في «عيادة» داخل منزله!

الأحد - 25 مايو 2014

Sun - 25 May 2014



التمادي في الزيادة المفرطة لدينا في أعداد الصيدليات التجارية وصرف الأدوية دون وصفة طبية، يعدان من الخوض في الأحاديث الشعبية القديمة. الأسبوع الماضي بحثت في Google عن تركيبات كيميائية عشوائية فأوصلتني الصدفة إلى منتدى للرقية «الشرعية»! حيث تحول الراقي من مجرد نافث للعاب على المرضى وبائع للوصفات الشعبية إلى طبيب نفسي، مخولا لنفسه فتح ملفات للمرضى في «عيادة» داخل منزله!

أثارني الفضول للتجول في المنتدى، فوجدت أنه خصص أعراضا «روحية» معينة، يحتاج فيها «المعتوه» الذي يتطبب عنده إلى تناول أدوية نفسية، ليس للقضاء على المرض النفسي، إنما لأنها تساعد في طرد الأرواح الشريرة، وتحاصرها داخل الجسم لتؤازر عمل الرقية! هذا الشرح هو اختصار لما ورد في رد استفسار بالمنتدى، ذيّله الراقي بضرورة أن يتناول «العميل» قرص 10 ملجم من الدواء النفسي المضاد للاكتئاب والقلق والوسواس القهري «سيبراليكس»! إذا أخذت في الاعتبار - عزيزي القارئ- أن ميكانيكية الدواء تعتمد على تثبيط مادة السيروتونين في الدماغ. المصيبة أن الأدوية النفسية في جميع دول العالم لا يتم صرفها أو التلاعب بها على هذا النحو أبدا من قبل العامة، إذا وضع في الاعتبار أن الراقي أعلاه ليس إلا ضابط صف في قطاع عسكري صباحا، وإمام مسجد ودجالا مساء!

وللانتقال من مجال صرف الأدوية النفسية إلى المضادات الحيوية أيضا، في تويتر دأب أحد أئمة المساجد المشهورين على الجرأة والدخول لموضة صرف الأدوية، ولكن هذا الإمام تخصص في صرف المضادات الحيوية، لمجاراة موضة الأمراض المعدية التي نعاني منها هذه الأيام، خصوصا مع أزمة كورونا، ولأن للإمام أتباعا ومحبين من خارج السعودية أيضا، فإن نصحه شبه مقدس في نفوس الأتباع، فحينما يخبر بأن بخور «المستكا» طارد للفيروسات «بإذن الله» وأن استخدام ما يروج له بأنه «طب نبوي» يضيف إليه بعض المضادات الحيوية مثل «زينات» أو «فلاجيل» وغيرها، يعني زيادة مناعة الجسم! هذا يعني أن كلامه بمثابة بحث علمي مفروغ من الخوض في احتمالية خطئه!

في المقابل كنت قد كتبت مقالا مطولا قبل 7 أشهر في «صحيفة الشرق» عن ظهور البكتيريا الخارقة القاتلة في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، وهي مشكلة جديدة يعاني منها الحقل الطبي حديثا، واستندت إلى بحث دكتوراه أجراه أحد المبتعثين السعوديين. الإفراط في تناول المضادات الحيوية له عواقب وخيمة جدا لا تتغافلها وزارة الصحة لأن تناول المضادات الحيوية ولد جيلا من البكتيريا المقاومة للدواء، يمتلك طفرات جينية «تسلسل حمض نووي متخلق جديد» مكنه من الخروج عن نطاق السيطرة الدوائية، ومكن من إحداث أوبئة بات من شأنها تهديد حياة الإنسان.

وأشرت إلى أنه قد أجريت أبحاث طبية في دول مجلس التعاون الخليجي لباحثين من جامعة الملك سعود الصحية وجامعة كوينزلاند، كانت عبارة عن مراجعة شاملةsystematic» review» للبحوث والمقالات العلمية المنشورة بهذا الشأن، وقد لوحظ أن أحد أنواع البكتيريا الخارقة (بكتيريا العصيات السالبة المقاومة لمضادات الكاربابينم Carbapenem المعروف كآخر خط دفاعي آمن) تسبب في عدوى مميتة لأكثر من 50% من المرضى المصابين بها بعد ازديادها بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالعقود الماضية. المصيبة تكمن أيضا في انتشار هذه السلاسل الجرثومية المقاومة للمضادات الحيوية، والذي أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعدوى المكتسبة، في المستشفيات، والتي قد تقضي على نجاح عمليات زراعة الأعضاء، وبعض هذه الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية تكاثرت إلى سلالات جديدة لا تستجيب نهائياً لأي عقارات مضادة لها.

منذ ذلك الحين وإلى اليوم لا تزال الإجراءات المتخذة بحق الصيدليات وانتشارها كالنار في الهشيم داخل البلد وتعامي سياسات صرف الدواء، إحدى مخيبات الأمل لدى أي كاتب رأي يعتقد أنه عين المسؤول بوزارة الصحة أو أن الصحافة هي المرآة له. كما أن ظهور الرقاة والأئمة في عالم الصيدلة والطب مصيبة وجريمة بحق الصحة العامة للإنسان، وبحق تجاوز التخصص العلمي والأخلاقيات العلمية. وإلى الآن لم يتم إنشاء نظام يردع هؤلاء المتجاوزين على الصحة البشرية والبيئية.