عندما تصبح نرجسية القادة مشكلة!

في مقالي «العمل المؤسسي هو الحل» الذي نشر الأسبوع الماضي ألمحت إلى أن غياب التنسيق في السياسات والأعمال بين الجهات الحكومية في القضايا المتداخلة، وأن غياب التنسيق بين الجهات بحد ذاتها قضية كبرى خلقتها نرجسية معظم قيادات الجهات الحكومية

في مقالي «العمل المؤسسي هو الحل» الذي نشر الأسبوع الماضي ألمحت إلى أن غياب التنسيق في السياسات والأعمال بين الجهات الحكومية في القضايا المتداخلة، وأن غياب التنسيق بين الجهات بحد ذاتها قضية كبرى خلقتها نرجسية معظم قيادات الجهات الحكومية

الجمعة - 27 فبراير 2015

Fri - 27 Feb 2015



في مقالي «العمل المؤسسي هو الحل» الذي نشر الأسبوع الماضي ألمحت إلى أن غياب التنسيق في السياسات والأعمال بين الجهات الحكومية في القضايا المتداخلة، وأن غياب التنسيق بين الجهات بحد ذاتها قضية كبرى خلقتها نرجسية معظم قيادات الجهات الحكومية.

ونرجسية القائد في الجهات الحكومية والشركات الخاصة قضية كبرى في حكم المسكوت عنها رغم أن حضورها في دفة القيادة لا يأتي بخير للمؤسسة، ومصدر أمراض إدارية تنخر جسدها، ومصدر تسميم لأجواء العمل، وإحباط للعاملين معه، لأن الشخصية النرجسية يصاحبها وفقا للدراسات العلمية والنفسية ادعاء الخبرة في أشياء كثيرة، التظاهر ليكون الشيء أكثر أهمية مما هو عليه، المبالغة في إنجازاتها، كما ترى أنها دائما على صواب، كما أن هذه الشخصية لا تميل للثقة في الآخرين، والتعجرف، وتحيط حولها بمجموعة من المتنفعين، والمنافقين كون هؤلاء المتنفعين يغذون فيها نزعة التميز.

وتشير الدراسة التي قامت بها الباحثة المتخصصة في علم النفس والسلوك في مؤسسات الأعمال «كاثى شنور»، لمقارنة «مستويات الأداء القيادي بين أصحاب مستويات النرجسية المرتفعة، وبين من يبدون مستويات منخفضة أو متوسطة»، ونشرت نتائجها في مايو 2001 إلى أن الأشخاص الذين يظهرون نزعات نرجسية قوية مثل: الانتهازية، أو تسخير الآخرين، والتسلط، أو القيادة، والشعور بالتفوق، أو الغطرسة، والتركيز المطلق على الذات، أو الإعجاب بالنفس، هؤلاء لديهم مؤشرات قدرات قيادية أعلى من أصحاب نزعات النرجسية المتوسطة أو المنخفضة.

وترى شنور أن ما لدى هؤلاء النرجسيين من الرؤية، والثقة، والافتخار بالذات وبالمنجزات ربما يمكن أن يترجم إلى قيادة فعالة في فرقهم ومؤسساتهم، ويمكنهم من تولي مناصب ومواقع قيادية، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان اعتمادا على جاذبيتهم واحترامهم الشخصي (الكاريزما) ومقدرتهم في إقناع الآخرين، فإن بعض الاستعدادات الكامنة أو «الجوانب المظلمة» سوف تطفو في النهاية وتعيق القيام بأي ممارسة قيادية جيدة.

فيما يقول الباحث في علم النفس التنظيمي في جامعة فلوريدا تيموثي جدج إن الإحساس المتضخم بقيمة الذات أبرز الأمثلة على طفو «الجوانب المظلمة»، وإن القادة النرجسيين مهووسون هوسا بالتنافس، ومتمحورون حول ذواتهم، انتهازيون واستعراضيون، ولذلك يميل هذا النمط من القادة - وفقا لجدج - إلى إحاطة أنفسهم بعدد من المنتفعين بما يمكنهم من ممارسة استعلائهم عليهم، وأن هؤلاء النرجسيين يستخدمون سياسة التصغير، والتحقير من الأشخاص المنافسين لهم حتى ولو كانوا أقرب المقربين إليهم.

ويحذر الباحثان من الإعجاب بالأشخاص النرجسيين، ويصفان الميل إلى توظيفهم بالمغامرة الخطيرة، مشيرين إلى أن الأبحاث والتجارب الدالة على سمية النرجسية في مكان العمل لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها.

ويتفق الباحثان عن أن النرجسية لدى القادة لا يمكن أن تعتدل أو تنصلح حتى في حال تدخل المؤسسة أو الوزارة، وتطالب شنور المؤسسات بذل مزيد من الاهتمام من أجل تقييم «النرجسية» قبل التوظيف، أو قبل الترقية حتى توفر على أنفسها عناء وتكاليف معالجة الأضرار الناجمة عن وجود النرجسيين عموما، وفي مواقع القيادة خصوصا، ويضيف جدج أن من يظن أن النرجسية يمكن أن تعتدل أو تنصلح مع مرور الوقت من خلال تدخل المؤسسة ما هو إلا وهم خادع باهظ التكاليف.

وكان دور الشخصية النرجسية حاضرا في انهيار كثير من المؤسسات العالمية من أشهرها بنك ليمان بروذرز (Lehman Brothers) التي تشير دراسة علمية نشرتها مجلة «Journal of Management Inquiry» في 2013 للباحث «مارك أستين» بعنوان «متى يصبح القادة النرجسيون مشكلة» دراسة لحالة الرئيس التنفيذي للبنك «ديك فولد»، استعرضت هذه الدراسة نرجسية «فولد»، وإصراره على البقاء في منصبه، وعدم تغيير سياسة البنك رغم أن مؤشرات انهيار البنك بدأت منذ 2005، إلا أنه رفض كل النصائح لتحسين أوضاع البنك أو طلب تمويل، بل عمد إلى عزل كثير من القادة المؤثرين في البنك بسبب مخالفتهم لآرائه، والخلاصة أن النموذج النرجسي أعلاه يمكن تعميمه على بعض القيادات الحكومية، وأخرى خاصة بشكل متفاوت، ويتمثل هذا النموذج في غياب التنسيق بين الجهات الحكومية نتيجة لتمسك كثير من المسؤولين بآرائهم، واعتقادهم أنها صواب ولا تنطق عن الهوى، كما أن تسجيل أكثر من 46 شركة مدرجة في السوق المالية خسائر متراكمة بنهاية العام الماضي، منها 22 شركة تجاوزت نسبة خسائرها 45 في المئة من رأس المال توحي بوجود شيء من النرجسية المسكونة بالرؤى المتضخمة التي تحتاج لمعالجة قبل أن تستفحل، وتصبح نذير شؤم ثمنه باهظ.