من أخبار سقراط الحكيم

ربما عاش الفيلسوف (محب الحكمة) سنين طوالا يبحث عن الرب، والكون، وبداية العالم، ومصير الناس بعد موتهم .. حتى تفضي به إلى الجنون، وربما الصداع المزمن، مع العزلة والنفور من الناس، واحتقار البشر والحياة، وربما وصل به الأمر للانتحار !!.

ربما عاش الفيلسوف (محب الحكمة) سنين طوالا يبحث عن الرب، والكون، وبداية العالم، ومصير الناس بعد موتهم .. حتى تفضي به إلى الجنون، وربما الصداع المزمن، مع العزلة والنفور من الناس، واحتقار البشر والحياة، وربما وصل به الأمر للانتحار !!.

الجمعة - 19 ديسمبر 2014

Fri - 19 Dec 2014



ربما عاش الفيلسوف (محب الحكمة) سنين طوالا يبحث عن الرب، والكون، وبداية العالم، ومصير الناس بعد موتهم .. حتى تفضي به إلى الجنون، وربما الصداع المزمن، مع العزلة والنفور من الناس، واحتقار البشر والحياة، وربما وصل به الأمر للانتحار !!.

ومما يؤسف له من هؤلاء الفلاسفة أنهم يتنكرون لتاريخ ناصع في مسيرة الفلسفة وهو (سقراط) الذي هو من أعظم وأشهر فلاسفة اليونان، إذ يعدون موته دليلا على عظمته وكمال عقله ودفاعه عن مبادئه التي ينادي بها، وهو حق يشترك معهم فيه عقلاء العالم، إذ دفع روحه فداء لعقيدته التي ينادي بها.

كان لسان حال قومه مشابها لأقوام مضوا من قبلهم وتلوا من بعدهم، فهي كلمات ينقلها جهلة الأرض ويتوارثها أصحاب المصالح والأهواء إذ يقولون: (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب)..

عاش سقراط مناديا بإله واحد وذاك عين دعوة الأنبياء، مع إيمانه بالملائكة والجن والوحي وغيرها من المغيبات التي ينكرها القوم!، لم يتنكر لعقائد الأنبياء بل بين بوضوح أن منهجه قائم على مبادئ الوحي وأن الله لا يرضى لعباده هذا الفراغ بدون أن يبين لهم أسباب وجودهم، لقد ترك سقراط منهجا جميلا في الإيمان بالإله الحق، مع أن ما ينقل عنه من الكلام ربما دخل عليه التغيير وربما التحريف نتيجة لكثرة النقل من التراجم واختلاف عبارات المترجمين، ومع ذلك فدعوته التصحيحية للعودة لله لم تجد رواجا من عشاق الفلسفة!.

كل ما يقال عنه إنه كان يطوف على الناس في الحدائق والأسواق، ويسألهم ويبين لهم خطأهم في الجواب، وهو إذ ذاك يعلم الناس الوصول للطريقة المثلى في التفكير، فيا ترى ما هي قضيته الأهم؟ ولماذا التجاهل المتعمد نحوها؟!.

من أقواله المأثورة مثلا قوله في الدفاع عن نفسه: «يجب أن أجعل كلمة الإله هي العليا» وقوله أيضا «أنا أعزكم أيها الأثنيون وأحبكم، ولكني أطيع الإله أكثر مما أطيعكم، وطالما بقي فيَّ نفَس وكنت قادرا على ذلك فلن أتوقف عن التفلسف وعن وعظكم».

وأكثر ما ورد تصريحا هو في كتاب أفلاطون (محاكمة سقراط)، ويبدو أن تقادم النسخ واختلاف الترجمات، وعدم وجود كتب منقولة بسند واضح جعل من بعض الكلمات والجمل مشوهة، وربما ممسوخة، وإذا كان شوه كثير من كتب الأنبياء العظام وحرفت، فلا مانع أن تزيف بعض الكتب وتوضع على الفلاسفة، ولكن يبقى في الجملة أن مضمون الدعوة لسقراط واضح للعيان ولا يحتاج للمكابرة.

وقد تفطن لتوحيد سقراط ودعوته له عدد من كبار علماء المسلمين ومنهم الطبيب المؤرخ (ابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668) في كتابه (طبقات الأطباء ص72، منشورات دار الحياة) حيث قال: «وكان أهل دهره لما سألوه عن عبادة الأصنام صدهم عنها وأبطلها ونهى الناس عن عبادتها، وأمرهم بعبادة الإله الواحد الأحد الصمد البارئ الخالق للعالم بما فيه، الحكيم القدير، لا الحجر المنحوت الذي لا ينطق ولا يسمع ولا يحس بشيء من الآلات، وحض الناس على البر وفعل الخيرات، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن الفواحش والمنكرات..» أهـ.

وأيضا قال مثل هذا القول بعده العالم الجليل (ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751) في كتابه إغاثة اللهفان (2/341 طبعة الرسالة)حيث قال: «ونشأ فيهم سقراط أحد تلاميذ فيثاغورس، وكان من عبادهم ومتألهيهم وجاهرهم بمخالفتهم في عبادة الأصنام وقابل رؤساءهم بالأدلة والحجج على بطلان عبادتها فثار عليه العامة واضطروا الملك إلى قتله فأودعه السجن ليكفهم عنه، ثم لم يرض المشركون إلا بقتله، فسقاه السم خوفا من شرهم.. ثم قال: وكذلك أفلاطون كان معروفا بالتوحيد وإنكار عبادة الأصنام وإثبات حدوث العالم، وكان تلميذ سقراط، ولما هلك سقراط قام مقامه وجلس على كرسيه .أهـ»

تلك شذرات من أخباره وسيجد المتخصص أشياء مدهشة عنه..