نضال إعلامي ضد (حفرة) .. ومسؤولية الفرد

كانت بدايات الشهرة العالمية لقناة «سي إن إن» في الثمانينات قبل عصر الفضائيات بسبب تغطيتها المتواصلة لحادثة سقوط طفلة في بئر، وظلت

كانت بدايات الشهرة العالمية لقناة «سي إن إن» في الثمانينات قبل عصر الفضائيات بسبب تغطيتها المتواصلة لحادثة سقوط طفلة في بئر، وظلت

السبت - 22 نوفمبر 2014

Sat - 22 Nov 2014



كانت بدايات الشهرة العالمية لقناة «سي إن إن» في الثمانينات قبل عصر الفضائيات بسبب تغطيتها المتواصلة لحادثة سقوط طفلة في بئر، وظلت محاصرة فيه نحو 58 ساعة، وواصلت تغطيتها للحدث لإنقاذها، وحدث تفاعل إنساني مع الحدث عبر إرسال مقترحات وأفكار لإنقاذها. تغطية الكوارث في الإعلام المتقدم بالرغم من أنها خدمة إنسانية كبيرة، إلا أنها أيضا سبب للنجاح والانتشار الإعلامي الواسع. ولهذا فالكوارث الإنسانية بحاجة إلى إعلام وأساليب تغطية خاصة لكل حدث، يدرك متطلباته في عرض المعلومة، والصورة والتعليق.

هل تزايدت أخبار السقوط المؤسفة في فتحات خزانات الصرف الصحي، والآبار المهجورة، أم إنها ما زالت في المعدل نفسه منذ سنوات مضت، لكن إعلام الأفراد الجديد فرض بث هذه الأخبار المؤلمة فور حدوثها للرأي العام. خلال الأشهر الماضية تفاعل الإعلام ومواقع التواصل مع عدة أحداث مؤلمة، من سقوط الطفلة لمى الروقي، والتي تفاعل معها الرأي العام فترة طويلة، حتى تدخلت الأحلام والرؤى. مرورا بحوادث أخرى.. إلى مأساة الشهر الماضي في سقوط طفل وتبعه والده لإنقاذه، وفي الأسبوع الماضي يأتي خبر آخر مؤلم لطالب المرحلة الثانوية بجدة.

مع كل حدث تنشغل البرامج والمقالات والتغريدات بالتفاعل الإنساني والتعاطف الإنشائي، يرافقه نقد انفعالي عشوائي تقحم فيه الكثير من القضايا والأمور النقدية في رؤية الفساد والموقف منه. هذه الانفعالات والتعبيرات الإنشائية الساخرة تتحول إلى منافسة تعبيرية أيهم أكثر سخرية، وأقوى نقدا خاصة في مواقع التواصل وبعض المقالات، ويشارك في مثل هذه الحفلات حتى المشتغلون في نقد وملاحقة المناضلين في ساحات أخرى، ليبدو وكأنه متوازن وعقلاني وصاحب مواقف في نقد للفساد. والمشكلة ليست في هذه المشاعر النبيلة والتفاعلات الغاضبة ضد المقصرين في أداء مهامهم العملية، والمطالبة بمحاسبة المسؤول.. على طريق صاحب الثامنة «يا جماعة الخير ملينا.. نبي مسؤول يحاسب». يبدو الخلل أن هذه البرامج الجماهيرية، والتغطيات الصحفية والمقالات وإعلام التواصل.. تفوت فرصة التوعية الفردية وإحياء ضمائر الجمهور، حول السلامة ومسؤولية الأفراد في ذلك، ودورهم الأخلاقي في التبليغ الفوري، ومتابعة الموضوع بأنفسهم لأي مشهد خطر على سلامة الأفراد، وأنه قد يكون شريكا في الجريمة أخلاقيا عندما يشاهد حفرة خطرة على سلامة الناس، ويتجاوزها دون تصرف مباشر ولحظي ومبادرة منه، وأن مجرد الشتم بينه وبين نفسه لمن تسبب بها وكتابة تغريدة، ليس حلا يخلي مسؤوليتة الأخلاقية في الخطأ لو تضرر أحد منها بعده.

إن لكل نوع من الأخطاء التي تتعلق بالسلامة، وتسبب كوارث إنسانية نقدا خاصا بها، فكوارث السيول مثلا تتحملها جهات محددة مباشرة، ولا علاقة لها بدور الأفراد كثيرا، إلا من يعرض نفسه لأماكن خطرة كالأودية وغيرها. في موضوع الحفر، وأغطية الصرف الصحي.. تتحمل جهات محددة المسؤولية، وأيضا الأفراد عليهم مسؤولية كبرى داخل الحي والشارع نفسه. من الناحية العملية ظهور حفرة وفقد أغطية وانكسارها متوقع في أي لحظة مهما كانت يقظة تلك الجهات التي يستحيل أن تكتشف الخلل فور حدوثه ودون بلاغ سريع من أحد، فالأحياء والأزقة مساحات واسعة جدا.. بحاجة لمبادرات من الناس أنفسهم، في الاهتمام بأصول السلامة وتبليغ الجهات. لاحظت في التغطيات الإعلامية المتعددة أخطاء مهنية كثيرة. فتصوير موقع الحدث.. ينقصه الكثير من المعلومات لتوعية الجمهور. الحفرة نفسها وشكلها ليسا مهمين لأن جميع الحفر في العالم متشابهة جدا. المهم المكان وطبيعته، حركة الشارع طوال اليوم، هل هناك مشاة يمرون من عندها. متى وجدت الحفرة، سؤال أهل الحي والقريبين من الموقع؛ سكان، أصحاب محلات.. واكتشاف المعدل الزمني لترك الحفرة الخطرة مكشوفة، وهل تم البلاغ عنها. تفاصيل كثيرة من المهم أن تصاحب هذه التغطيات لكشف جوانب كثيرة.. وتطور وعي الأفراد في السلامة ودورهم الأخلاقي والاجتماعي. كل هذا لا يبرر للمسؤول والمقاول.. وإنما يوثق أكثر نوع التقصير الذي حدث، ويعمق المسؤولية القانونية، ويطور الوعي في نقد البنية التحتية، بدلا من الصراخ والكليشهات السائدة في النقد والاستعراض اللفظي.