تحنيط فرعوني
من منطلق إيمانهم بالحياة بعد الموت، أتقن الفراعنة آلية تحنيط الموتى من ملوك وأفراد، ليحافظوا على جثثهم فترات طويلة، إلى أن تحولت إلى آثار ثمينة ما زالت موجودة منذ ما قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام حتى الآن
من منطلق إيمانهم بالحياة بعد الموت، أتقن الفراعنة آلية تحنيط الموتى من ملوك وأفراد، ليحافظوا على جثثهم فترات طويلة، إلى أن تحولت إلى آثار ثمينة ما زالت موجودة منذ ما قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام حتى الآن
الاثنين - 17 نوفمبر 2014
Mon - 17 Nov 2014
التحنيط الفرعوني بدأ بالملوك وانتقل إلى الشعب
أمل باقازي - القاهرة
من منطلق إيمانهم بالحياة بعد الموت، أتقن الفراعنة آلية تحنيط الموتى من ملوك وأفراد، ليحافظوا على جثثهم فترات طويلة، إلى أن تحولت إلى آثار ثمينة ما زالت موجودة منذ ما قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام حتى الآن.
تحنيط الجثامين لدى الفراعنة، جاء إثر اعتقادهم بعودة الروح مجددا إلى الشخص بعد الانتهاء من حسابه، ما جعلهم يهتمون حتى في تشكيل أقنعة تشبه ملامح المتوفى تلبسها المومياوات، كي تتعرف عليهم أرواحهم وتعرف طريق العودة إليهم، إضافة إلى حماية وجه المومياء أيضا.
ولأن الحضارة الفرعونية تعد أولى الحضارات في العالم، فذلك يدل على أن اكتشاف الفراعنة لمختلف أنواع العلوم جاء بالفطرة، إذ بدؤوا بناء حضارتهم بالتجربة ليطوروا أنفسهم بأنفسهم، وما يثبت هذا الأمر تطور إتقان نحت المجسمات وعمليات التحنيط.
مسؤول التحنيط
أولى خطوات التحنيط تبدأ من كاهن مسؤول عن هذه الآلية، يرتدي قناعا يحمل شكل حيوان (ابن آوى) المشهور بأكله المومياوات، ما دفع الفراعنة إلى تنصيبه إلها للتحنيط وأطلقوا عليه اسم «أنوبيس»، يهتمون به ويقدمون له القرابين معتقدين بقاءه مكتفيا من الأكل، وبالتالي يمتنع عن التهام أمواتهم.
ويستخدم هذا الكاهن سريرا على شكل أسد كرمز للقوة، إلى جانب أدوات متعددة كالمشرط والملاقط والسيقان المعدنية المعقوفة، لاستخراج المخ من رأس المتوفى.
70 يوما
وبحسب المرشدة السياحية في المتحف المصري بالقاهرة ماري ياسر، فإن مدة التحنيط بالكامل تصل إلى 70 يوما، حيث يفتح الكاهن فتحة في أحد جانبي الجسد، لاستخراج كل أعضائه، ثم يملأ الجسم بعد تفريغه بملح النترون لتجفيفه من السوائل لمدة 40 يوما.
وأوضحت ماري لـ»مكة» أنه بعد انتهاء الـ 40 يوما، يتم وضع أنواع مختلفة من العطور والزيوت وبعض المواد المليّنة للجسم، ويترك 30 يوما، ومن ثم يلف الجسد بقماش الكتان ويدهن بمادة الرزن الصمغية، لمنع دخول الهواء إلى المومياء، وتوضع بعد ذلك في المقبرة».
وأشارت إلى أن المومياء توضع داخل صندوق خشبي منحوت بحروف تعويذات، يعتقدون أنها تساعدهم في الدخول إلى الجنة، ثم يوضع داخل صندوق أكبر مصنوع من الحجر.
أوان كانوبية
وأفادت أن كهنة التحنيط يحتفظون بأربعة أعضاء بشرية لكل متوفى تتمثل في الرئتين والكبد والمعدة والأمعاء، لاعتقادهم بأنها المشغّلات الأساسية للمومياء عند عودة الروح إليها.
وأضافت: «يتم تحنيط تلك الأعضاء بنفس الطريقة، وتوضع داخل أربعة أوان كانوبية، كل عضو على حدة، ولكل إناء مجسم لأحد أبناء الإله حورس، فواحد له شكل الصقر وآخر ابن آوى وثالث قرد ورابع آدمي، ظنا منهم أن كل ابن منهم يحمي عضوا من الأعضاء الأربعة».
تحنيط القلب
وبينت أن كاهن التحنيط يحنط قلب المتوفى ويعيده إلى جسده كونه أساس الحساب في الآخرة، موضحة أن الفراعنة يعتقدون بوجود إله الموت «أوزوريس» المسؤول عن محاسبة المتوفى، بجواره زوجته «إيزيس» وشقيقته «نفتيس» تأخذان وضعية اللطم حزنا على الميت.
وذكرت أن آلية حساب المتوفى بحسب الاعتقاد الفرعوني تتم بوجود آلهة العدل صاحبة اسم «ماعط»، وتعرف بريشة على رأسها، وأمامها إله الحكمة «جحوتي»، إضافة إلى ميزان يقابله تمثال العدالة، إذ يتم وزن قلب الميت لتحديد دخوله الجنة من عدمه.
وتابعت: «إن كان قلبه يزن الكثير من السيئات، فإنه يتعرض للالتهام من قبل هجين مرعب يحمل اسم «العِمعِم»، إذ إن رأسه على شكل تمساح وجسده كالأسد، وبالتالي لن يعود المتوفى إلى الحياة مرة أخرى، بينما يدخل المؤمن الجنة ويزرعها ويبنيها في حياة الخلود».
مستلزمات المتوفى
وقالت المرشدة السياحية ماري إن إيمان الفراعنة بالبعث دفعهم إلى وضع كل مسلتزمات الميت معه في قبره كالعطور والسرير والكرسي ومسند يوضع فوقه مجسم لإله مختص بحماية رأس المتوفى، عدا عن تحنيط بعض الأطعمة كفاكهة الدوم والبط، كما يتم وضع مجسم حشرة الجعران على قلب المومياء ليكون شاهد خير على صاحبها.
الاهتمام بالذهب
وأرجعت ماري سبب اهتمام الفراعنة بالذهب في تصنيع مقتنياتهم، إلى كونه يدل على الترف والرفاهية، غير أن انتقاله للقبور كناية عن تحول الشخص من الحياة الدنيا إلى حياة الآلهة، إذ يدخل الذهب في إنشاء أصابع تغلف أصابع المومياء لحمايتها، إضافة إلى تغطية توابيت المومياوات، موضحة أن توابيت الفراعنة في الدولة الفرعونية الحديثة باتت تأخذ ملامح المتوفى.
عمّال المومياء
ولأن الفراعنة يعتقدون أن المؤمن سيكون مسؤولا عن زراعة جنته، بينت المرشدة السياحية في المتحف المصري بالقاهرة، أن كل متوفى يوضع في قبره 365 مجسما ذهبيا وهم عمال يساعدونه في أعمال الزراعة، إلى جانب 12 مجسما أكبر في الحجم تمثل المسؤولين عن هؤلاء العمال، وهم بعدد شهور السنة.
منازل الفراعنة
وأشارت إلى أن منازل الفراعنة تتخذ من البر الشرقي لنهر النيل مقرا لها، في حين تقع قبورهم في البر الغربي، مرجعة سبب ذلك إلى عبادتهم إله الشمس، وبالتالي يرتبط الشروق بالحياة والغروب بالموت.
وأكدت أن إله الشمس يأخذ شكل قرص يخرج منه شعاع بيدين تمسكان رمز «عنخ» والدال على الحياة، فالساق المستقيمة تعني نهر النيل، بينما تعطي الدائرة مدلول دلتا الصحراء الشرقية والغربية، مبينة أن الفلّوكة هي نوع من أنواع المراكب الشهيرة لدى الفراعنة، وتستخدم لنقل المومياء من البر الشرقي إلى الغربي، تمهيدا لدفنه في المقابر.
ميلاد جديد
ونظرا لارتفاع تكلفة عملية التحنيط، كانت تقتصر في البداية على جثث الملوك فقط، بينما كان الأفراد العاديون يوضعون في قبورهم بوضعية القرفصاء، وهي تطابق وضعية الجنين ببطن أمه، لاعتقادهم أن البعث ميلاد جديد، في حين بينت المرشدة السياحية في المتحف المصري بالقاهرة أن الفراعنة في الدولة الحديثة اكتشفوا بدائل أقل كلفة من المستخدمة في تحنيط الملوك، ما جعل التحنيط يعمم على كل أفراد الشعب الفرعوني، إلا أنه يستغرق 20 يوما للشخص العادي.