تفسير النص القرآني عند الصحابة بين العقلانية والظاهرية
بدأت في عصرنا الراهن بوادر التفسير العقلي للنص الديني تستعيد مكانتها في الخطاب الإسلامي بشقيه الشرعي والفكري، وكان التفسير العقلي بلغ أوجه في مراحل من التاريخ الإسلامي وفي أماكن من الخارطة الجغرافية.
بدأت في عصرنا الراهن بوادر التفسير العقلي للنص الديني تستعيد مكانتها في الخطاب الإسلامي بشقيه الشرعي والفكري، وكان التفسير العقلي بلغ أوجه في مراحل من التاريخ الإسلامي وفي أماكن من الخارطة الجغرافية.
السبت - 01 نوفمبر 2014
Sat - 01 Nov 2014
بدأت في عصرنا الراهن بوادر التفسير العقلي للنص الديني تستعيد مكانتها في الخطاب الإسلامي بشقيه الشرعي والفكري، وكان التفسير العقلي بلغ أوجه في مراحل من التاريخ الإسلامي وفي أماكن من الخارطة الجغرافية.
والعقلانية في تفسير النص كانت في مواجهة ساخنة ومستمرة منذ صدر الإسلام مع الظاهرية النصية، وأخذت تتسع وتضيق بحسب الواقع السياسي والاجتماعي.
والمصطلح العقلي لتفسير النص الديني لم يكن على مستوى واحد من التفكير أو التفسير أو الانتماء المذهبي، فقد كان أهل المذاهب الفقهية ينقسمون إلى مقاصدي وظاهري، وإلى أهل الرأي وأهل الحديث، وكانت هذه المسميات في حقيقتها تدور في إطار النص لا تخرج عنه إلا أنها تتعامل مع النص بطرق مختلفة.
ولكنها تتسع إذا ما انفصل الفريقان إلى معتزلي وسني، حيث يمثل المعتزلة العقل ومكانته كمصدر مهم وحاكم ومقدم على النص في أغلب تفريعات المعتزلة المذهبية، وحيث يمثل السنة النصوصية مقدمة وحاكمة على العقل مع اعتبار المقاصدية والرأي في التفسير والتدبر.
إلا أن المعتزلة في الأوائل كانوا أكثر انضباطاً في التعامل مع النص في جانب الأحكام من المتأخرين، وكانوا لا يخرجون عن المذهب الفقهي الذي ينتمون إليه، وكان غالبهم من الأحناف والشافعية وبعضهم من المذاهب الأخرى، هذا من الناحية الفقهية، ولكنهم من الناحية العقيدية يتخذون المنحى المعتزلي في العقائد المشهورة عنهم.
وكذلك النصوصية كانت أكثر عقلاً في التعامل مع النص من النصوصية الظاهرية المعاصرة، فكان أهل الحديث في غالبهم لا يخرجون عن المنظومة العامة في الفقه والعقائد، وكانوا ينفردون بآراء عن الفقهاء إلا أن الراية الكبرى والرأي العام هو بيد الفقهاء وأهل النظر، وتستطيع أن تتخذ من إمامين كالشافعي وابن حنبل، رضي الله عنهما، نموذجاً في التعامل بين الفريقين حتى حصل بينهما تداخل وامتزاج لم تفهمه الأجيال التي جاءت فيما بعد.
ونجد الآن تحولاً إلى إفراط من الناحيتين، فالعقلانيون انطلقوا في فهم النصوص إلى مسافات تجاوزت الحدود ووصلت بهم الحال إلى نوع من الاستكبار على النص ذاته، وبدت العقلانية بوابة إلى الشك في كثير من أبواب الدين.
والظاهريون النصوصيون انطلقوا في تعطيل النص الديني إلى حد الانغلاق المؤدي إلى انحسار الشريعة وسجنها في معتقل النص ذاته، وأدى ذلك إلى تجاوز الناس الشريعة وتركوها مؤمنين بها غير مقتنعين بدورها وأثرها، وكأن الظاهرية النصية نوع من الدعوة إلى علمنة المجتمع، وهذا ما جعلنا نرى عددا من الإسلاميين الآن يتجهون نحو الإيمان بالتأويلات التي كانوا يرفضونها فيما سبق.
إننا أمام مفترق طريق قد يؤدي إلى اغتراب الشريعة والدين، إذ نرى كلا الفريقين في اتجاهين مختلفين يلتقيان في نقطة بعيدة وفي مكان عنوانه الخروج على الشريعة راضين أو مكرهين.
وبعيداً عن الكلام في فقه المقاصد الذي أخذ حيزاً كبيراً في الخطاب الإسلامي المعاصر مستنداً إلى تنظيرات الماضي، أرى أن الاتجاه إلى إثبات نوعية التفسير عند الأئمة والسلف، رضي الله عنهم، يفتح الباب أمام العقل في تناوله، ويحترم الظاهر ويؤصل على أساسه دون غلو في الجانبين.
عندما ننظر إلى منهجية التفسير القرآني عند الصحابة لآية واحدة من آيات القرآن فسنكتشف تعددية غير متوقعة قد يستغربها عصر الانفتاح.
هناك المنهج التوقيفي في تناول النص وهو أشد الأنواع حذراً في التفسير الديني للنص، وقد كان على ذلك أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، ومعنى التوقيفي أي التوقف عن التفسير للمبهمات إلا بدليل سواء في جانب المعاني أو في جانب الأحكام، وهذا لا يمت إلى الظاهرية بصلة فمواقف هذين الخليفتين معروفة في غير المبهم.
وقد قال أبو بكر، رضي الله عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وقال عمر، رضي الله عنه، في تفسير قول الله (وفاكهة وأبا) «عرفنا الفاكهة فما الأب؟ ثم قال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف.
وكان ابن مسعود وأبي بن كعب، رضي الله عنهما، على طريق التفسير النقلي التوقيفي تقريباً.
وهناك المنهج التأويلي وهو ما كان عليه ابن عباس، رضي الله عنهما، وأتباعه، وهو إمام الناس في هذا الباب، ودعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، له (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وتأويلات ابن عباس تنزع إلى فهم المعاني أكثر من الاعتماد على غيرها كاللغة والظاهر وأمثالها، أما ما ورد فيه توقيف فالجميع متبع في ذلك، إلا أن الحذر عند التوقيفيين يمنعهم من الخوض في تفسير النص كالتأويليين لا سيما ما لم يرد فيه تفسير مأثور.
ومن مناهج التفسير عند الصحابة منهج الظاهر وهو عند عوامهم ومن ليس لهم علم، فكانوا ينظرون إلى ظاهر القرآن فيصيبون ويخطئون، إذ ليس القرآن كله على ظاهره، وقد كانوا يفسرون سورة النصر على ظاهرها، وكان ابن عباس يراها نعيا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما في قصته مع عمر وكبار الصحابة، وغيرها من الآيات كثيرة ومشهورة.
وهناك المنهج التفسيري الشامل الذي يقوم على قواعد الظاهر والباطن واللغة والمعنى وهو منهج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إذ ورد عنه أنه قال: «لكل آية ظاهر وباطن وحد ومطلع)، وابن مسعود رضي الله عنه يقول: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن).
وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: (ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب) وهو أعلم الصحابة بلا نزاع، حيث يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، وقال: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، فدل ذلك على أنه وريث للعلم النبوي، وكان الصحابة جميعاً يقرون بذلك، رضي الله عنهم جميعا.
ومما ورد عنه، رضي الله عنه، أن عنده في تفسير الفاتحة ما يحمل سبعين بعيرا وقراً، وتفسير سيدنا علي، رضي الله عنه، شامل للنقل واللغة والظاهر والباطن ومعاني التفكير.
وباطن المعاني هي التي أشار إليها، رضي الله عنه، في قوله حين سئل هل عند آل بيت النبوة غير هذا القرآن فأجاب: لا، إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه، أو كما قال، رضي الله عنه.
وهذا المنهج الذي اتخذه وارث العلم النبوي وكذلك ابن عباس، هو باب إلى تفسير عقلي من منطلق الاستنباط، وإلى تفسير كشفي إلهامي باطني لدنّي، وهذا الأخير نجده منهجاً عند الصوفية في تفسير القرآن وهو ما عرف بالتفسير الإشاري والذي كتب فيه عدد من أئمة الصوفية، ولا يدخل في ذلك الفرقة الباطنية حتى لا تختلط الألفاظ.
نخلص من ذلك إلى أن التعامل مع النص القرآني عند الصحابة في الفهم والتفسير كان شاملا بحسب تنوعات طرائقهم.
وعلى هذه الأسس اختلفت مدارس الأمة في تفسير النص القرآني ما بين التفسير النقلي والتأويلي العقلي، واللغوي والظاهري واللدنّي الباطني والشامل لكل أبوابه.
وكما تعاملوا مع النص القرآني بهذه الطرق المختلفة فلهم مع الحديث النبوي طرائق أخرى كذلك تحتاج إلى وقفة أخرى.