الخداع في شروط التنمية

مع تراكم الفشل العربي، وتعثر النهوض والتنمية من عقد إلى آخر، تتيح هذه الأجواء لنوعية من الخطاب النمطي عن الفرد العربي، يقدم فيه أنواعا كثيرة من التحطيم والجلد للشخصية العربية، وتحميلها مسؤولية التخلف، وأنه «مفيش فايدة». هذا الميل النقدي للشخصية والفرد العربي، يكون مقبولا عندما يأتي في سياق دراسات وأبحاث دينية واجتماعية ونفسية واقتصادية محترمة، لكشف بعض الجوانب الشخصية وميزاتها وعيوبها، ودورها في مسألة التخلف والنهضة، وهذا ما وجد فعلا في كثير من القراءات النقدية منذ أكثر من نصف قرن، لكن عندما يتحول هذا الميل إلى نوع من الكتابات التحقيرية والهجائية التي تريد أن تكرس الفشل التنموي، وتحمله بصورة إنشائية على الفرد والمجتمع، وأننا بحاجة لأزمنة عديدة مفتوحة.. حتى نكون مؤهلين للنهضة والتطور.

مع تراكم الفشل العربي، وتعثر النهوض والتنمية من عقد إلى آخر، تتيح هذه الأجواء لنوعية من الخطاب النمطي عن الفرد العربي، يقدم فيه أنواعا كثيرة من التحطيم والجلد للشخصية العربية، وتحميلها مسؤولية التخلف، وأنه «مفيش فايدة». هذا الميل النقدي للشخصية والفرد العربي، يكون مقبولا عندما يأتي في سياق دراسات وأبحاث دينية واجتماعية ونفسية واقتصادية محترمة، لكشف بعض الجوانب الشخصية وميزاتها وعيوبها، ودورها في مسألة التخلف والنهضة، وهذا ما وجد فعلا في كثير من القراءات النقدية منذ أكثر من نصف قرن، لكن عندما يتحول هذا الميل إلى نوع من الكتابات التحقيرية والهجائية التي تريد أن تكرس الفشل التنموي، وتحمله بصورة إنشائية على الفرد والمجتمع، وأننا بحاجة لأزمنة عديدة مفتوحة.. حتى نكون مؤهلين للنهضة والتطور.

السبت - 01 نوفمبر 2014

Sat - 01 Nov 2014



مع تراكم الفشل العربي، وتعثر النهوض والتنمية من عقد إلى آخر، تتيح هذه الأجواء لنوعية من الخطاب النمطي عن الفرد العربي، يقدم فيه أنواعا كثيرة من التحطيم والجلد للشخصية العربية، وتحميلها مسؤولية التخلف، وأنه «مفيش فايدة». هذا الميل النقدي للشخصية والفرد العربي، يكون مقبولا عندما يأتي في سياق دراسات وأبحاث دينية واجتماعية ونفسية واقتصادية محترمة، لكشف بعض الجوانب الشخصية وميزاتها وعيوبها، ودورها في مسألة التخلف والنهضة، وهذا ما وجد فعلا في كثير من القراءات النقدية منذ أكثر من نصف قرن، لكن عندما يتحول هذا الميل إلى نوع من الكتابات التحقيرية والهجائية التي تريد أن تكرس الفشل التنموي، وتحمله بصورة إنشائية على الفرد والمجتمع، وأننا بحاجة لأزمنة عديدة مفتوحة.. حتى نكون مؤهلين للنهضة والتطور.



خطورة تنميط هذه الأفكار ليست فقط أنها تبرر الوضع السائد، وأن المشكلات ليس لها حل، وأن هذا قدرنا، وإنما في قتل إرادة التغيير في العمق، وتكريس مفاهيم مغالطة لشروط ومتطلبات التنمية والنهوض، التي أكدتها تجارب تنموية عديدة في كل منطقة من العالم، ومن ثقافات وأديان متعددة. للأسف ارتبط التنظير العربي حول هذه القضايا بوعي مخادع ومسيس يريد أن يقلب الهرم في أولويات التنمية، وأصبح موجها بين رؤية كانت تؤصل للانقضاض على السلطة، ورؤية مقابلة لها تريد أن تقلب حقائق حول متطلبات الاقتصاد والنهضة. التنمية والنهوض مسؤولية مؤسسات لا أفراد، والحديث عن أهمية ودور الفرد في التغيير مناسب في قاعات التعليم والتربية والوعظ والإرشاد لتحميله المسؤولية، وتأهليه لينخرط في مؤسسات كبرى يسهم فيها مستقبلا، وليس لتضليله والتغرير به بأنه سيغير العالم من حوله بمفرده، وتحميله هذه المهمة التاريخية. الخطأ يبدأ من وضع أهمية الفرد في غير مكانها.. في شروط التنمية، ولهذا تطرح أسئلة مضللة من نوع.. أين الخلل في الفرد أم المؤسسة!؟ ومن هنا يبدأ التنظير المغالط عن أفراد المجتمع وتعميمه عليهم، فيحملون مسؤولية ومهاما لا علاقة لهم بها، ففشل العديد من المؤسسات والوزارات في المجتمع هو فشل القيادات فيها.. وإذا كانت هناك مسؤولية فردية.. فيجب أن يكون الفرد هنا محددا، أين مكانه ومسؤوليته في المؤسسة، وليس كائنا هلاميا في المجتمع..! والدليل العملي على أن المجتمع غير مسؤول، هو وجود مؤسسات أخرى ناجحة، وتقاوم التخلف العام. ولهذا عندما يتحول المخطط والمسؤول الإداري والاقتصادي والسياسي.. أو المثقف بالنيابة عنهم.. إلى منظر إنثربولوجي يريد أن يحمل فشله إلى مقولات نمطية عن التخلف، وغيبيات تاريخية في بنية المجتمع فهو تضليل من الناحية العملية، وهروب من المسؤولية، وتبرير للفساد في مؤسسته. لهذا فالحديث عن تنمية الدول هو في الواقع حديث عن مؤسسات وقياداتها. الفرد يكون مؤثرا وله معنى في تحمل المسؤولية عندما يكون قائدا.. ولهذا تجد المؤسسات والشركات الكبرى شديدة الدقة في اختيار قياداتها الناجحة بدون مجاملات وتلاعب لأن هذا سيؤثر على مسار ومستقبل المؤسسة. في تجربة الدول ونهوضها.. تبدو حالة ألمانيا الشرقية والغربية سابقا، والآن تجربة كوريا الجنوبية مقارنة بكوريا الشمالية من أقوى الأمثلة على أن التقدم صناعة وسياسة مؤسسية وقيادات ناجحة صنعت التغيير، وليس ثقافة الشعب والفرد. واستطاعت تجربة إمارة دبي أن تخلق نموذجا عربيا يستحق التأمل في دور المؤسسة وإدارتها وقياداتها، فهل هناك مسافات حضارية كبرى.. بين الفرد في إمارة الشارقة، والفرد في إمارة دبي. للأسف هناك نظرة رومانسية للتقدم يتورط بها بعض المثقفين والكتاب. التأمل في الشعوب وثقافاتها يفيد في تطوير الخطط التنموية، ووضع الخطة المناسبة لكل مجتمع، لكن لا يوجد مجتمع غير قابل للتطور إذا توفرت له شروط موضوعية ومادية، وهذا ما أكدته تطورات القرن الماضي في قارات مختلفة. في كأس العالم الأخيرة.. عندما تم تداول صورة أحد أفراد الجمهور الياباني وهو ينظف مدرج فريقه، ظهرت التعليقات والمدائح لهذا المشهد وثقافة الشعب وربطها بالتقدم.. ومع أن الصورة لا تظهر الجمهور نفسه وإنما فرد وفردين، هم من يقومون بتنظيف مدرج زملائهم اليابانيين الذين قاموا برمي هذه الأوساخ! ولهذا إذا كان هناك مدح فيوجه للمؤسسة، ومن يدير بعثة الفريق الياباني وجمهوره الذي يكلف أحد أفراده بتحسين مظهرهم.

من يعرف تاريخ الجماهير الكروية وعنفها، فلا يوجد أشهر من عنف جمهور فريق ليفربول الإنجليزي، وكيف أدى عنفه في منتصف الثمانينات إلى حادثة مفجعة تسببت في قتل العشرات في مباراة فريقه مع يوفنتوس الإيطالي، وكيف صدرت العقوبات بحقه وحق الفرق الإنجليزية الأخرى حينها. فهل هذا دليل على تخلف بريطانيا وشعبها.