الجماعات الإسلامية.. اختلاف الوسائل ووحدة الهدف
قد يستغرب من لم يعرف حقيقة الحركات الإسلامية المعاصرة إذا علم أن جميع الجماعات والأحزاب والمنظمات والميليشيات الإسلامية، السياسية والدعوية، والحركية منها والنظرية، تتفق على هدف واحد هو إعادة الخلافة الإسلامية، وتختلف في وسيلة الوصول إلى هذا الهدف.
قد يستغرب من لم يعرف حقيقة الحركات الإسلامية المعاصرة إذا علم أن جميع الجماعات والأحزاب والمنظمات والميليشيات الإسلامية، السياسية والدعوية، والحركية منها والنظرية، تتفق على هدف واحد هو إعادة الخلافة الإسلامية، وتختلف في وسيلة الوصول إلى هذا الهدف.
الجمعة - 31 أكتوبر 2014
Fri - 31 Oct 2014
قد يستغرب من لم يعرف حقيقة الحركات الإسلامية المعاصرة إذا علم أن جميع الجماعات والأحزاب والمنظمات والميليشيات الإسلامية، السياسية والدعوية، والحركية منها والنظرية، تتفق على هدف واحد هو إعادة الخلافة الإسلامية، وتختلف في وسيلة الوصول إلى هذا الهدف.
عندما قام حسن البنا بإنشاء جماعة الإخوان، أنشأها في فترة سقوط الخلافة بهدف إعادتها، وكان برغم إيمانه بالديموقراطية في مرحلة، ينهى عن التعددية في مرحلة أخرى، لأن الأحزاب تفرق الأمة وتؤخر المسيرة إلى الهدف في رأيه، وبرغم امتداد الجماعة إلى ثمانين عاما من العمل وإيمانها بوجوب العمل الحزبي الديموقراطي كواقع فرض على الأمة، إلا أنها لم تتخل عن هذه النظرية، فكانت تخطط للوصول إلى سدة الحكم في جميع البلاد العربية على شكل أحزاب ثم تعلن المرجعية الواحدة، وكان جزء من هذه الخطة بدأ يتحقق في سنوات الربيع العربي إلا أنهم فشلوا في اللحظات الأخيرة.
كانت جماعة الإخوان تؤمن بالعنف وسيلة للتغيير، ولكنها تركت التطبيق مفتوحا ولم تلتزم بوقت محدد، وعندما أنشأ البنا الجناح السري المسلح للحركة كان للدفاع عن الجماعة، ولأهداف أخرى استعجلها الشباب المتحمسون آنذاك.
وعندما انشق الجناح القطبي عن الإخوان كانت الحاكمية هي الهدف الأول الذي تسعى إليه الحركة ومن ثم تستعيد الخلافة، وآمنت بطريقة الانقلابات والاغتيالات في التغيير، وعلى إثر ذلك قامت محاولتها الفاشلة باغتيال عبدالناصر والتي أدت إلى إعدام سيد قطب وعبدالفتاح إسماعيل وفرغلي وعودة.
أما من ناحية الجماعات السلفية فقد بدأت علمية دعوية عندما نشأت أنصار السنة المحمدية ومن بعدها الجمعية الشرعية في مصر.
كانت السلفية قد اتخذت الجانب العلمي والعقدي، وفلسفتها أن رجوع الأمة إلى عقيدتها هو السبيل الأول إلى انتصارها وعودة الخلافة، ومن هنا انشغلت بالمسائل العقدية واتخذت لها من كل طرف عدوا.
كما يرى حزب التحرير الإسلامي أن الخلافة لا تعود إلا بالفكر والوعي وعندما تفكر الأمة فإنها ستنتصر.
بدأت الانشقاقات تدب في جماعة الإخوان والسلفية، واتجه المنشقون من المتحمسين للحاكمية والخلافة إلى السلاح، ورفضوا الانتظار لأنهم شعروا بأن الإخوان والسلفيين مستعدون للانتظار عقودا من الزمان، وأن الحكام لن يتنازلوا ولن يقبلوا بالخلافة، وكانت الجماعات المسلحة في سوريا ومصر وغيرها تتحين الفرصة تلو الأخرى للانقضاض على السلطة، ولكنها لم تفلح، وواجهت ضربات قاصمة من الأنظمة.
في بداية الثمانينات وجدت الجماعات المسلحة متنفسا كانت بأمس الحاجة إليه في أفغانستان، وكانت الأنظمة العربية تغض النظر عن تجمعاتهم في أفغانستان للوقوف في وجه الخطر السوفيتي، إلا أن هذه التنظيمات بدأت منذ الفترات الأولى من الجهاد الأفغاني برص صفوفها ووضع دساتيرها، وكانت تتخذ من الجهاد الأفغاني وسيلة لخدمة أهدافها، ولم تكن تؤمن بحقيقة الوضع في أفغانستان.
العجيب أن استغراق الجماعات المسلحة في قضية الحاكمية والخلافة ضيق أفقهم الفكري إلى حد لا يحتمل، ففي مجلس من مجالس القيادات الإسلامية في باكستان حضره عبدالله عزام والشيخ سياف وعمر عبدالرحمن وغيرهم، جاءت سيرة ضياء الحق الرئيس الباكستاني الراحل بعد اغتياله، فترحم عليه الشيخ عبدالله عزام، فأنكر عليه الشيخ عمر عبدالرحمن، وقال: كيف تترحم على كافر؟ فرد عليه الشيخ عزام: كيف تكفر مسلما قدم روحه للإسلام والجهاد؟ واشتد الخلاف بين الاثنين، لم يسلم ضياء الحق من تكفير جماعات الحاكمية وهو مسلم مجاهد شهيد في نظر العالم الإسلامي كله، وكان سبب تكفيره أنه لا يحكم بما أنزل الله.
ثم نشأت القاعدة على كاهل ابن لادن ماديا وجماعة الجهاد الإسلامي بشريا وتنظيميا، حتى وصلت بعد ذلك إلى ما وصلت إليه.
في تلك الفترة وتحديدا في بداية القرن الهجري قام بعض السلفيين السعوديين بالهجوم على الحرم المكي بقيادة محمد بن عبدالله القحطاني (المهدي المنتظر)، وجهيمان ظانا نفسه (الجهجاه) الذي ورد في أحاديث الفتن، وكانت تلك الحركة تعتقد أن رأس القرن الهجري هو وقت ظهور المهدي الذي سيعيد الخلافة، وأسقطت أحاديث الفتن وأسماء رجالها على ذلك الواقع وكان بعد ذلك ما كان.
ومما لا يلاحظه كثير من المحللين أن فكرة الحاكمية والخلافة دمجت الفكر المتناقض دون وعي من طلاب الحاكمية، فالقاعديون وغيرهم من المسلحين المنتمين إلى المنهج السلفي بايعوا الملا عمر رئيس طالبان وهو صوفي ماتريدي حنفي قبوري كما يصفهم السلفيون، وكلها لعنات أربع عند السلفيين يكفرون من يعتقد ذلك، وطالبان كلها كذلك.
والقطبيون سلفيون جملة وتفصيلا، ولكن سيد قطب أشعري العقيدة صوفي الذوق بعيد كل البعد عن السلفية، بل لم يفكر في يوم من الأيام أن يكون كذلك، ولكن فكرة الحاكمية واستعادة الخلافة ذوبت الخلافات بدون وعي من أصحابها، ورأينا كيف اجتمع الخصوم في حكم مرسي وقد كانوا قبلها أعداء يلعن بعضهم بعضا، والذين كانوا يرون البرلمان والمجالس النيابية من الجاهلية المخرجة من الملة، رآهم العالم وهم يتقاسمون التركة السياسية وأجّلوا عقائدهم في سبيل الخلافة والحكم.
وإذا كان الجميع يؤمن بأن الغاية إذا اتحدت فإن الوسائل مهما اختلفت لا تغير من حقيقة الأشياء، فالذي يتحرك نحو الخلافة إنما يتحرك نحو النظام الذي يعيش تحت حكمه، فسواء غيره بالسلاح أو الحزبية السياسية؛ فالأمران اعتداء على النظام كل بحسبه.
خلاصة الأمر أن القاعدة وداعش وبوكوحرام وأمثالها ما هي إلا امتداد لفكرة واحدة بوسيلة مختلفة، أكثر وضوحا واندفاعا، وأقل صبرا وحكمة، وأشد غلوا وجهلا وهمجية.
وما نشاهده من قتل وتنكيل بالناس ليس جديدا على هذه الفكرة، بل الظروف السانحة هي التي أعطتهم الفرصة وبمظهرهم الذي لم يكن يعرفه الناس.
باختصار: هذا المشهد بكل تفاصيله هو الوجه الحقيقي للصحوة الإسلامية الذي لا تعرفونه.