"لا تنه" (2)
في عتاب رباني مؤنب، يقول الله تعالى:
«أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم».. والبر كما قال صلى الله عليه وسلم هو حسنُ الخلق.. وإنما بُعث الحبيبُ ليتمم مكارم الأخلاق.. ولا يُبنى نهي أو أمر في الغالب الأعم إلا على قواعد أخلاقية.. دينية أو دنيوية هدفها في النهاية الوصول إلى عادات وممارسات راقية واقية.. تغرس للخير البذور، لتقي الناس الويلات والشرور.
في عتاب رباني مؤنب، يقول الله تعالى:
«أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم».. والبر كما قال صلى الله عليه وسلم هو حسنُ الخلق.. وإنما بُعث الحبيبُ ليتمم مكارم الأخلاق.. ولا يُبنى نهي أو أمر في الغالب الأعم إلا على قواعد أخلاقية.. دينية أو دنيوية هدفها في النهاية الوصول إلى عادات وممارسات راقية واقية.. تغرس للخير البذور، لتقي الناس الويلات والشرور.
الأحد - 26 أكتوبر 2014
Sun - 26 Oct 2014
في عتاب رباني مؤنب، يقول الله تعالى:
«أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم».. والبر كما قال صلى الله عليه وسلم هو حسنُ الخلق.. وإنما بُعث الحبيبُ ليتمم مكارم الأخلاق.. ولا يُبنى نهي أو أمر في الغالب الأعم إلا على قواعد أخلاقية.. دينية أو دنيوية هدفها في النهاية الوصول إلى عادات وممارسات راقية واقية.. تغرس للخير البذور، لتقي الناس الويلات والشرور.
وإن كنت قد اتخذت من الأوامر والنواهي في زمن الطفولة، وخلال مراحل التكوين الأولى.. وأوضحت أنها الأساس لبناء جدار الأخلاق القويم الذي يقي النفس تسلق الفاسد من الأفكار ويحميها من النوازع الباغية.. والرموز الطاغية.. التي ترقص طربا وتهتز نشوة كلما أفسدت خُلقا أو دمرت خلقا.
جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: أوصني. قال له الرسول المعلم: لا تغضب، فزاد الرجل في طلب الوصية مرتين وفى المرات الثلاث كان صلى الله عليه وسلم يقول: لا تغضب.
ولأن المحب لمن يُحب مطيعُ.. فقد فاز كل من استنار بهذا الهدي المحمدي الشامل والمجموع في كلمتين لا الناهية، والفعل تغضب (لا تغضب) وتأكد له أن الشديد ليس بالصُرعة، ولكن من يملك نفسه وقت الغضب.
والمصطفى عليه الصلاة والسلام.. قدم لنا وصفة ذهنية وجسدية لهزيمة الغضب: عن أبي ذر، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع». وعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: لا تغضب.
والغضب حالة انفعالية ينفث فيها الشيطان سمومه وينزغ بين المرء وأخيه، أو بينه وبين بنيه، أو بينه وبين صاحبته، أو قبيلته التي تؤويه.. لذا نصح صلى الله عليه وسلم بهذا الحراك الجسدي والذي يصاحبه انصراف ذهني عن حالة الغضب إلى محاولة التخلص منه. وكما قال الشيخ ابن سينا: «الألم فكرة في الرأس، عليك التخلص منها بفكرة أعظم منها، فإذا ما استشعر المرء صداعا في رأسه.. وانتقل بفكره من متابعة توابع هذا الألم إلى التفكير في عذاب القبر مثلا، فحتما سيضعف شعوره بالصداع حتى يتلاشى».
نعود إلى حالة الغضب الانفعالية المؤذية للأعصاب وللأصحاب، وكثير من الآباء أو المسؤولين يحذرون من يتولون شؤونهم أو رعايتهم من الغضب.
وحقيقة أنا نفسي أفعل هذا مع الآخرين وعادة ما أنصحهم وأولادي بعدم الغضب، وأتمنى ألا أجد نفسي يوما في ثورة غضب أمام من نصحتهم بعدم التسليم لهذا الانفعال وإلا فإنني أعطيهم أمرا صريحا برفض نصائحي تلك التي لا أطبقها على نفسي، وقد يجد المرءُ لنفسه - أحيانا من باب الخلاص للنفس والراحة الذهنية ـ بعضا من المبررات، ولكنه حين يعود إليه صفاؤه يعترف طائعا بأنه أخطأ، وهو يتذكر قول الشاعر: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم.
وحتى يتجنب الواحدُ منا الوقوع في مثل هذه الحالات، فلا بد أن يتتبع الظروف ويدقق في المناخ الذى دفعه للوقوع فيما وقع. والغضب حالة تهاجم عادة من امتحنه الله برغبة في العمل المتواصل مع حرص شديد على إنجازه بالدقة المطلوبة وفي الزمن المحدد، وقد نسميها من باب التخفيف غيرة أو حماسة ولكنها إذا لم تضبط بالشكل المناسب فقد تتحول إلى حيرة وعدم كياسة.
وكم يكون هذا الشخص محظوظا إذا أحيط بنفر من المقدرين لأدائه والمعتقدين بجدوى ما يصنع، فيسارعون للتخفيف عنه امتصاصا لغضبه وتهدئة لانفعالاته، وكم يكون سيئ الحظ إذا ابتلي بنفر من حاملي الحطب الذين يسارعون بإلقائه عند ظهور الشرارة الأولى.
ولكني أعترف بأنه من الأولى أن يُحصنَّ المرءُ نفسَه بنفسِه دون انتظار لعون أو مساندة على نفسه، من غير الله تبارك وتعالى وهدي رسوله، صلى الله عليه وسلم.
معنى الغضب لغة واصطلاحا:
لغة: ضد الرضا، والغضبة: الصخرة الصلبة.
ومنه اشتق الغضب لأنه اشتداد السخط.
واصطلاحا: هو غليان دم القلب طلبا لدفع الأذى عند خشية وقوعه، أو طلبا للانتقام مما حصل منه الأذى بعد وقوعه.
يقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز: (لقد أفلح من عُصم من الهوى والغضب والطمع).
ويقول الحسن البصري: أربعٌ من كن فيه عصمه الله من الشيطان، وحرمه على النار:
من ملك نفسه عن الرغبة والرهبة والشهوة والغضب.
وختاما لا بد من أن أشير إلى غضب محمود وهو أن يكون لله عز وجل عندما تنتهك حرماته.. عن أبي سعيد الخضري قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلغه ابنُ مسعود قولَ قائل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، شق عليه، صلى الله عليه وسلم، وتغير وجهه، وغضب، ولم يزد على أن قال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر.
وحقا: ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ولم أر عقلا صح إلا على الأدب
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب