"لا تنه" (1)
قال الله تعالى في محكم تنزيله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) سورة الصف
قال الله تعالى في محكم تنزيله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) سورة الصف
الأحد - 19 أكتوبر 2014
Sun - 19 Oct 2014
قال الله تعالى في محكم تنزيله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) سورة الصف
وقال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
قد يكون الأمر بفعل شيء أو النهي عن فعله أسهل من الالتزام بالأمر والنهي، فالأمر والنهي هما توجيهان يصدران عن قناعة في الأساس باستحباب فعل ممارس واستقباح فعل معاكس، وعادة ما يصدر التوجيه بالفعل الحسن من محب لمن يحب، وكذلك النهي.
وعادة ما تصاحبُ الطفولةَ أوامرُ نهي كثيرة تصدر عن حرص وحب لصغير غير مدرك لفعل قد ينساق إليه وفيه خطر عليه، ولا بد أن كلنا يذكر “اففو” و”كخخه” قيلت لنا، وقلناها لفلذات أكبادنا “الأففو” تحذير من شيء حار، و”الكخخه” نهي عن بارد ضار.
ولأن الطفل إذا اعتاد تجنب الأخطار صارَ صوتُ التحذير فيه ينبعث بداخله بمجرد رؤيتها فيحذرها تلقائيا وبالتدريج.
ثم يأتي دور كلمة “حببو” وهي إرشاد الطفل للأشياء الطيبة التي يمكنه التعامل أو التفاعل معها .. خاصة حين يُقدم له طعامٌ أو شراب يريد النفور منه .. وهكذا تتعدد الألفاظ بتعدد المواقف حتى يصبح الأمر جليا وواضحا.
ولكننا قد نضع أنفسنا في ورطة حين ننهى عن أمر ونفعله نحن أنفسنا.
“فالأففو” فهمها الطفل أنها ابتعاد عن الكبريت والنار .. ولكن إدراكه الصغير يُوقعه في حيرة حين يرى النار وأعواد الكبريت دائمة الاشتعال بين أصابع أبيه وهو يشعل السيجارة، ومع تكرار المشهد تأخذ قناعتُه في الانحدار حتى العدم، وينتهز الفرصة الأولى للقائه مع الكبريت في غياب والده أو انشغاله .. ويبدأ بالتعامل معه محطماً القاعدة التي بناها وجدار الحذر الذي أحيط به زمناً.
وقد يعودُ الأمر إلى كارثة أو يُحدث مشكلةً أثرُها النفسي أعمقُ غوراً وأشد ضرراً .. فقد اكتشف رغمَ خطورة الممارسة أن النار ليست “أففو” وأن الأمر الصادر إليه من أبيه والذي صدقه زمناً ليس صحيحاً لأن أباه يلعب بالنار، وقد يتوالى الانهيار حين يجد أمه تشربُ ذلك “الكخخه” الذي منعته عنه .. (وبالطبع الشراب نوع من أنواع المياه الغازية التي تبث بالقطع خطرها الصحي).
وفيما كانت الأم تلقن ابنتها درساً في الصدق وعدم الكذب، وطوال اليوم تردد على أسماعها: “ها .. اللي يكذب فين يروح يا بنتي ؟!” .. وترد البنت وقد استوعبت الدرس المتواصل “النار يا ماما”، وفجأة يرن جرس الموبايل وطبعاً يظهر اسم جارتها المتصلة .. فتطلب الأم من ابنتها أن ترد على الجارة وتقول لها “أمي نايمة” .. فتفعل المسكينة، ومع كل مكالمة تأخذ مناعتها ضد الكذب بالانهيار.
ولكن بنتاً طلبت منها أمها أن تخبر المتصلة أنها نائمة “فقالت للمتصلة: معليش يا خالتي ماما تقولك إنها نايمة”.
ومع الأيام تتحول مثل هذه العائلة إلى أسرة كذابين .. لدرجة قد تمنع بعضهم من تصديق بعض .. وهنا العار، فقد نهى الأبوان عن أخلاق وجاءا بمثلها .. دون أن يشعرا، لأنهما لم يطبقا القاعدة في كل الأحوال وإنما طبقاها انتقائياً .. فشددا على الأولاد .. وسهلا لنفسيهما الأمر، وكأنه عذر واجب القبول.
ولا بد أن من هم من أبناء جيلي قد قرؤوا قصة (الصدق منجٍ) في كتب المطالعة، والتي ملخصها أن مظلوماً هرب من مطارديه الظلمة ولم يجد أمامه من ملجأ سوى دكان تاجر صادق أمين، فحكى له قصته بسرعة وطلب منه أن يخفيه في دكانه،
فقال له التاجر ادخل إلى المستودع هذا فدخل .. وحين جاء الأشرار وسألوا التاجر عن طريدتهم، قال نعم إنه في الداخل .. فظنوا أنه يسخر منهم وانصرفوا بحثا عنه في مكان آخر.
وبعد برهة .. خرج الشاب من مخبئه معاتباً التاجر قائلاً: ماذا لو صدقوك .. قال يا بُني الصدقُ منجٍ.
وسبحان الله .. لقد كان الصدقُ والأمانة صفتين لازمتا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعُرفَ بالصادق الأمين .. وكأن الله الذي أدبه فأحسن تأديبه قد بدأ بهما ليشتهر بهما، صلى الله عليه وسلم، ولتكونا شاهداين له حين يُبعث رحمة للعالمين.
وحين سئل، صلى الله عليه وسلم، عن ذنوب وآثام يأتيها المسلم .. قال، صلى الله عليه وسلم: لا .. ذلك أنه الحبيب الذي يفعل ما يقول ويقول ما يفعل. والله تبارك وتعالى في الآيتين الثانية والثالثة من سورة الصف يقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ .
وعلها بداية أرتجي منها - بحول الله وتوفيقه - الولوج إلى سلسلة مفيدة من المقالات .. أُلقي من خلالها الضوء على أمور أود بها تذكير نفسي ومن معي بخطورة النهي عن أمور ثم القيام بها بعد ذلك، عياناً بيانا، دون خوف من عار هذا الفعل.
"لا تنه" (1)
"لا تنه" (2)
"لا تنه" (3)