تنظيم النسل بين الفقه الظاهري والفقه المقاصدي
الخلاف الحاصل اليوم بين الفقهاء حول جواز تنظيم النَّسل وترشيده يصلح أن يكون مثالاً واضحاً يشرح لك الفرق بين الفقه الظاهري، الذي يقف عند دلالة النَّص اللفظية، وبين فقه المقاصد الذي يتعامل مع فحوى النصوص وعللها وغاياتها وأهدافها
الخلاف الحاصل اليوم بين الفقهاء حول جواز تنظيم النَّسل وترشيده يصلح أن يكون مثالاً واضحاً يشرح لك الفرق بين الفقه الظاهري، الذي يقف عند دلالة النَّص اللفظية، وبين فقه المقاصد الذي يتعامل مع فحوى النصوص وعللها وغاياتها وأهدافها
الأربعاء - 29 يناير 2014
Wed - 29 Jan 2014
الخلاف الحاصل اليوم بين الفقهاء حول جواز تنظيم النَّسل وترشيده يصلح أن يكون مثالاً واضحاً يشرح لك الفرق بين الفقه الظاهري، الذي يقف عند دلالة النَّص اللفظية، وبين فقه المقاصد الذي يتعامل مع فحوى النصوص وعللها وغاياتها وأهدافها
فريق المحافظة تمسك بظاهر النصوص التي تحث على كثرة الإنجاب وأن الرزق مكفول، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، وقد خرجوا بنتيجة مفادها تحريم ترشيد النسل إلا في حالات الضرورة القصوى، كالخوف على الحامل من الهلاك
وقالوا أيضاً: إن فكرة «الترشيد» فكرة صهيونية قُصد بها تقليل أعداد المسلمين حتى يسهل ابتلاعهم والتغلب عليهم!واسمحوا لي بالتعليقات التالية:أولاً: تنظيم النسل وتقليله يطبّق أيضاً في بلدان الغرب الأوروبي، وفي كثير من بلدان العالم، فليست هناك مؤامرةٌ من أحدٍ على أحد
ثانياً: فريق المحافظة لا يحاول فهم النصوص بحسب ظروفها وملابساتها، فالشرع الحكيم حينما رغَّب في تكثير النسل وزيادته، كانت موازين القوى حينها تعتمد في المقام الأول على تفوق التعداد البشري، وكان الناس يتقاتلون بالسيوف والرماح، بينما أصبحت موازين القوى تعتمد اليوم على التفوق الاقتصادي والصناعي والتقني
ونحن نعلم أن دولة «بريطانيا» استطاعت في القرنين الماضيين احتلال نصف الكرة الأرضية، وكان يطلق عليها الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، مع أنها كانت دولة صغيرة في مساحتها وفي تعدادها السكاني
ثم لماذا لا نسأل الدول ذات الكثافة السكانية العالية كالهند أو الصين مثلاً، هل هي سعيدة بأكداسها البشرية الهائلة وتقول هل من مزيد؟ أم أنها تنظر إلى المسألة كمشكلة تتهدد كيانها وتزعج استقرارها واقتصادها؟ إذن فنحن لسنا مع فريق الخفض والتقليص مطلقاً، ولا مع فريق الزيادة والتكديس مطلقاً، ونرى أن حكم المسألة قد يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان وتحقيق المصالح والحاجات
بمعنى أن الزيادة قد تكون مطلوبة ومرغوبا فيها في بعض الظروف والأحوال، وقد تكون عبئاً ثقيلاً يجب الحدِّ منه في بعض الظروف والأحيان
ونحن عندما ننظر اليوم إلى الازدياد السكاني المهول في السعودية يجب أن نراعي هذا التفصيل الفقهي المقاصدي
فإما أن تكون خططنا التنموية جاهزة وقادرة على استيعاب التنامي البشري، وإلا فإن الترشيد له حظ راجح من النظر الصحيح
وأيضاً لابد من النظر للمسألة من زاوية المستوى الشخصي، بمعنى أنه يجب أن ينظر كل إنسان إلى نفسه ومقدرته على القيام بحقوق أبنائه وما يحتاجون إليه من غذاء وكساء ورعاية وتربية، ففي تصوري أن المرء قد يكون في بعض الظروف مطالباً شرعاً بالحد من الإنجاب وتقليله إذا ما غلب على ظنه عدم استطاعته على القيام بأمورهم، تماماً كما هو الحال في تعدد الزوجات، حيث أباحه الله عز وجل بشرط غلبة الظن على تحقيق العدل والاستطاعة
وقد جاء في الحديث الصحيح: (كفى بالمرء إثماً أن يُضيّع من يعولُ)