باسم سلامه القليطي

إذا ما فيها كلافة.. شوية نظافة

السبت - 13 يناير 2018

Sat - 13 Jan 2018

اعتقدت للوهلة الأولى أن التي تسير أمامي حاوية قمامة (أجلكم الله) وليست سيارة عادية، وسبب ذلك كمية العلب والأكياس التي ترمى من نوافذها، وكأن من يرمونها في تحد (مين فينا أوسخ من الثاني)، والحقيقة بما أنني في لجنة التحكيم التي تشكلت من أقرب ثلاث سيارات خلفهم فقد أعلنت النتيجة بتعادلهم، وأنهم على مستوى واحد من القذارة وعدم المسؤولية، وأنهم جميعا يستحقون الجائزة الكبرى وهي غسل عشر سيارات، والعمل 50 ساعة في مكب النفايات.

أتوقع أن كثيرا منا شاهد الصورة التي يقف فيها عامل الاستراحة وسط أكوام القمامة التي لم أتخيل أن صورة واحدة قادرة على جمعها، مما يجعلك تشك للحظات أن المكان مرمى للنفايات وليس استراحة للأفراح والمناسبات، وكان حظ هذا العامل العاثر أنه أجرها لأناس أقل ما يقال عنهم إنهم غير مسؤولين ولا متحضرين ولم يفهموا جماليات الدين، وقس على ذلك ما يحدث في الشوارع والشواطئ والحدائق، من رمي القاذورات وسوء استخدام للمرافق، وكأنهم يعانون من مرض واختلال، أو أنهم يكرهون رؤية النظافة والجمال.

أعتقد أن من أهم أسباب عدم النظافة هي اللا مبالاة، لدرجة أني رأيت أحد الصغار يشرب من علبة عصير ولما فرغ منها رماها عن شماله على الطريق مع أن صندوق القمامة على يمينه ولا أدري ما هو مبرره، لعله يكون «أشول أو أحول»، والاتكالية والكسل بالتأكيد هما من الأسباب، فمن تربى على أن يكون مخدوما منذ نعومة أظفاره والتي ما زالت ناعمة، حتى مع تجاوزه العشرين من عمره، فبالله عليكم كيف ستخشن أظفاره ويده التي تحملها منعمة مترفة، لا تعين ولا تعاون، وقد اعتادت الاستهتار والتهاون، ففي البيت عاملة منزلية تنظف وراءه، وفي الشارع عمال نظافة يجمعون مخلفاته.

وأرى أنه من الواجب أن يكون كل شخص مسؤولا عن تصرفاته، ومن الحلول التي أستخدمها أن يكون معي دائما في سيارتي أكياس لجمع النفايات ورميها في أقرب حاوية، وأيضا منع بعض الأشياء التي تساهم في اتساخ الشوارع، مثلا سنغافورة منعت «اللبان» 14 عاما، وذلك لما يكلف الدولة من أموال لتنظيف الشوارع منه، وحتى عندما سمحت ببيعه كان يباع في الصيدليات فقط، وذلك لأسباب طبية، تعجبني عبارة لو طبقها الجميع كانت مدننا أنظف المدن، تقول (اترك المكان كما تحب أن تجده).

الإسلام دين الطهارة والنظافة فكما اهتم بطهارة المسلم الداخلية بالتوحيد والإيمان، والتحلي بالأخلاق والإحسان، أيضا اهتم بنظافته الخارجية في الجسد والملبس والبيت والطريق، حتى إننا نجد كتب الفقه تبتدئ دائما بباب الطهارة، لأنه لا صلاة بدون وضوء، فما أجمل الإسلام يجعل من إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وفي حديث آخر جعلها الرسول عليه الصلاة والسلام صدقة، فقال (إماطة الأذى عن الطريق صدقة)، فهذا جزاء من يميط الأذى عن الطريق، فما بالك بمن يلقي الأذى في طريق المسلمين، فيضر الذاهبين والعائدين، بالتأكيد أنه ليس بمعذور ولا مأجور.

ليست دعوة للمثالية، وليس ادعاء للكمال، ولكنه نداء استغاثة للتوقف عن الكسل واللا مبالاة والإهمال، عجيب أمره ينتقد اتساخ الحدائق والشوارع، وفعله فيها ماض ومضارع، رمى ويرمي، وبالتأكيد في المستقبل سيرمي، لكن دورنا أن نسعى ونبذل الأسباب، فليست كل واحة سراب، ولو ما فيها (كلافه) (شوية) نظافة.