مسرحية بعيدا عن السيطرة حريّة الطرح والتلقّي
اعتمد المؤلف المسرحي السعودي فهد رده الحارثي في كتابته لنص العرض المسرحي "بعيدا عن السيطرة" والذي عرض في مهرجان الشارقة الخليجي الأول 9 – 15 فبراير 2015 على استخدام الأفكار كركيزة أساسية انطلق منها النص دامجا الخيال بالواقع من خلال 3 شخصيات دخلت في لعبة الحلم ولم تخرج منها
اعتمد المؤلف المسرحي السعودي فهد رده الحارثي في كتابته لنص العرض المسرحي "بعيدا عن السيطرة" والذي عرض في مهرجان الشارقة الخليجي الأول 9 – 15 فبراير 2015 على استخدام الأفكار كركيزة أساسية انطلق منها النص دامجا الخيال بالواقع من خلال 3 شخصيات دخلت في لعبة الحلم ولم تخرج منها
الخميس - 19 فبراير 2015
Thu - 19 Feb 2015
اعتمد المؤلف المسرحي السعودي فهد رده الحارثي في كتابته لنص العرض المسرحي "بعيدا عن السيطرة" والذي عرض في مهرجان الشارقة الخليجي الأول 9 – 15 فبراير 2015 على استخدام الأفكار كركيزة أساسية انطلق منها النص دامجا الخيال بالواقع من خلال 3 شخصيات دخلت في لعبة الحلم ولم تخرج منها.
ولأن الفن جنوح خارج الأطر العقلانية والمجربة وابتكار الغائب وإمساك باللامتوقع، جاءت فكرة النص لتعري الواقع المضطرب الذي يعيشه عالمنا العربي، بعد أن أسقط المخرج عددا من الدلالات وشت بتفاصيل العرض ووضحت المستهدفين من الخطاب، ناهيك عن أن النص حمل رسالة إنسانية عالية القيمة بإمكانها أن تعيش طويلا، حين ناقش الحرية وأثرها على مجتمعات غابت عنها ثم اندلقت عليها فجأة في غير أوانها.
شخوص الحارثي، جاءت مترددة، مستسلمة لأقدارها، تبحث عن خلاص جماعي من خلال استحضار الماضي "الحلاق، الدفان، الشاعر" الشخصيات الذين كتبهم الأستاذ في رواياته، كنوع من الوفاء قدمته الشخصيات لماض أهلكهم الحنين إليه.
عقل المسرحية
ركز الحارثي في هذا النص على الحوار كنقطة انطلاق وبناء، باعتبار أن الحوار عقل المسرحية الناظم لحركتها، ووظفه كأداة رئيسية في البنية الدرامية لـ"بعيدا عن السيطرة".
وشارك في صناعة شكل العرض، من خلال استخدام سلطته كمؤلف في رسم حركة الممثلين.
ونرى في هذا النص، تأثره بمسرح سعدالله ونوس، من خلال طرحه لشخصيات مضطهدة غير قادرة على المطالبة بحقوقها "الحلاق، الدفان، الشاعر" مع أنها لو منحت الفرصة تكون مستعدة لفعل كل عمل في سبيل تحقيق طموح ذاتي ما.
كذلك جاء مسار الحارثي ونوسيا أيضا من خلال طرحه لسلبية الإنسان أمام ما يحدث حوله، بالإضافة إلى أنه بحاجة دائما إلى جمهور من نوع خاص يمتلك مقومات متلق يعمل ذهنه، ذلك التأثر الونوسي الذي ظهر هو امتداد للمسرح الملحمي.
إيقاع ثنائي
إن الحبكة التي صاغها الحارثي وشكلها المخرج سامي الزهراني بدأت في النمو لحظة بدء الممثلين الثلاثة إعادة شخصيات الأستاذ من رفوف الكتب إلى الحياة، وما قبل ذلك من ذكريات عن الأستاذ وأحاديثه معهم أرى أن المخرج لم يحالفه التوفيق في الحلول التي اتبعها في معالجة سردية النص، ولم تفلح التكوينات البصرية التي شكلها بأجساد الممثلين، إلا في إضاءة مدة من زمن العرض ثم لم تواصل جمالياتها.
حتى إن القضية التي طرحها المؤلف حول موت صاحب المكتبة والذي قبل موته أوصى للأستاذ الذي كان يعمل فيها بجميع الكتب والذي بدوره وزعها مجانا على المثقفين، كان من باب أولى أن يعالجها المؤلف أثناء خروج شخصيات الأستاذ الروائية (الحلاق – الدفان – الشاعر) مما سيكون له أثره في دخول هذه الثيمة في نسيج البناء الدرامي للشخصيات الثلاثة.
كما أن الزهراني نجح في آلية الاشتغال على لعبة التمثيل داخل التمثيل، من خلال دخول الممثلين في الشخصيات الجديدة، وخروجهم منها بسلاسة وتلقائية دون إرباك، عبر حلول إخراجية أكدت على فكرة ومقولة النص عبر الفعل المستمر في الفضاء بوساطة الترابط المعنوي والفكري العميق بين فكرة المؤلف والفكرة الإخراجية.
بعد الربع الأول من العرض تمكن المخرج من الدخول إلى النص بالتفسير والتفكيك، لحظة خروج الشخصيات الثلاثة من الكتب، وجاء ذلك تلبية لضرورة درامية في تعريف المشاهد بما جرى من أحداث تواءمت مع السياق العام للمشهد عبر كسر الإيهام وتفكيك المضمون باللعب على إيقاع الجملة الحوارية التي تم توزيعها بين الممثلين، وعلى الكوميديا التي وظفها المخرج كدعامة أساسية في البناء الدرامي للعرض.
انعكاس الخبرة
وهنا يجب أن نعرج إلى موضوع الخبرة وأثرها في هذا العرض، فمؤلف بحجم الحارثي هو خبرة أضافت إلى النص، والزهراني بوصفه قدم العديد من الأعمال المسرحية المهمة مخرجا وممثلا لم تكن لتنقصه تلك الخبرة التي نتحدث عنها، غير أنه كان بالإمكان أحسن مما كان فيما يخص التكنيك والاشتغال بصورة أعمق على أداء الممثلين، باعتبار أن هذا النوع من العروض هو الأصعب على الممثل ويحتاج إلى قدرات تمثيلية خاصة لا تتشكل إلا عن طريق الخبرة.
يؤخذ على هذا العرض، اعتماد المخرج على ثيمات قديمة كان بإمكانه البحث عن حلول إخراجية تعتمد بشكل أكبر على اللغة البصرية، والتي كانت ستحقق شروط الفرجة الكاملة لعرض مسرحي استخدم ثيمة الحرية، خطابا وصل على الرغم من كل ما ذكر إلى الجمهور، في طرح جريء يحاول إعادة صياغة مفهوم الحرية بوصفه أداة للالتصاق بالحياة الكريمة لا سببا في الخروج عن المساقات الإنسانية والتحول إلى نزعة "الأنا" التي تشوه تاريخ كل جميل، في خاتمة جاءت بها المسرحية تطالب الإنسانية جمعاء بالقبض على الحلم وتطويعه في الواقع قبل أن يتحول إلى ماضٍ لا يفي الحنين بحقه مهما كان ذلك الحنين صادقا أو نقيا أو عظيما.