عندما تغضب اللغة لكرامتها

يقع التنفيذيون في بعض الحالات في مأزق اللغة التي لا تحابي أحدا عندما يستعملونها بحالة انفعال وجداني غير محسوب العاقبة وعندما يتحدثون عن إنجازاتهم ونجاحاتهم الوظيفية أو عندما يحشرون في زاوية الإجابة المتسرعة للسؤال الذي يشعر التنفيذي البيروقراطي أنه يحمل بعض اللوم له أو التقصير في حق ما وكل إليه وما عمل وما أنجز، كان الأذكياء منهم يلوذون بسلاح الصمت مرة والتعميم والغموض مرات كثيرة إلا في أضيق الحالات وفي أبعدها عن فحوى السؤال ومضمونه، ولكن ذلك لا يكون هو الجواب المناسب في كل الحالات، وقد لا يكون الجواب المقبول الذي تدور حوله القضية المطروحة. فتنزلق على ألسنتهم عبارات تفخيم وجمل لها دوي في الأسماع وصوت صاخب يثير غضب المستمع أو يثير غضب اللغة التي يضعها البيروقراطي العريق في غير موضعها، لأن الكلمات لها حياة ولها كرامة وتغضب أشد الغصب عندما تنتهك كرامتها أو يحاول أحد النيل من وظيفتها ودلالة المعنى الذي تدل عليه.

يقع التنفيذيون في بعض الحالات في مأزق اللغة التي لا تحابي أحدا عندما يستعملونها بحالة انفعال وجداني غير محسوب العاقبة وعندما يتحدثون عن إنجازاتهم ونجاحاتهم الوظيفية أو عندما يحشرون في زاوية الإجابة المتسرعة للسؤال الذي يشعر التنفيذي البيروقراطي أنه يحمل بعض اللوم له أو التقصير في حق ما وكل إليه وما عمل وما أنجز، كان الأذكياء منهم يلوذون بسلاح الصمت مرة والتعميم والغموض مرات كثيرة إلا في أضيق الحالات وفي أبعدها عن فحوى السؤال ومضمونه، ولكن ذلك لا يكون هو الجواب المناسب في كل الحالات، وقد لا يكون الجواب المقبول الذي تدور حوله القضية المطروحة. فتنزلق على ألسنتهم عبارات تفخيم وجمل لها دوي في الأسماع وصوت صاخب يثير غضب المستمع أو يثير غضب اللغة التي يضعها البيروقراطي العريق في غير موضعها، لأن الكلمات لها حياة ولها كرامة وتغضب أشد الغصب عندما تنتهك كرامتها أو يحاول أحد النيل من وظيفتها ودلالة المعنى الذي تدل عليه.

الثلاثاء - 30 سبتمبر 2014

Tue - 30 Sep 2014



يقع التنفيذيون في بعض الحالات في مأزق اللغة التي لا تحابي أحدا عندما يستعملونها بحالة انفعال وجداني غير محسوب العاقبة وعندما يتحدثون عن إنجازاتهم ونجاحاتهم الوظيفية أو عندما يحشرون في زاوية الإجابة المتسرعة للسؤال الذي يشعر التنفيذي البيروقراطي أنه يحمل بعض اللوم له أو التقصير في حق ما وكل إليه وما عمل وما أنجز، كان الأذكياء منهم يلوذون بسلاح الصمت مرة والتعميم والغموض مرات كثيرة إلا في أضيق الحالات وفي أبعدها عن فحوى السؤال ومضمونه، ولكن ذلك لا يكون هو الجواب المناسب في كل الحالات، وقد لا يكون الجواب المقبول الذي تدور حوله القضية المطروحة. فتنزلق على ألسنتهم عبارات تفخيم وجمل لها دوي في الأسماع وصوت صاخب يثير غضب المستمع أو يثير غضب اللغة التي يضعها البيروقراطي العريق في غير موضعها، لأن الكلمات لها حياة ولها كرامة وتغضب أشد الغصب عندما تنتهك كرامتها أو يحاول أحد النيل من وظيفتها ودلالة المعنى الذي تدل عليه.

فالكلمة خلقت حرة لا تقبل أن تستعبد ولا أن تحرف عما تعنيه وتدل عليه، انزلق على لسان أحدهم جملة (تقول إن الشعب السعودي يعيش في مستوى عال من الرفاهية) فأثارت غضب المستمعين ليس اعتراضا على الحال الجيدة التي يعيشها بعض أفراد الشعب السعودي كما أراد المتحدث، وليس إنكارا للواقع الذي يعرفه الجميع في المملكة، إذ لا شك أن الشعب بعمومه يعيش حياة أفضل بكثير من الأوضاع التي تعيشها بعض الشعوب العربية القريبة منه والمجاورة له في بعض الجهات، ولا خلاف في ذلك عند أكثر الناس ولا اعتراض عليه لو جاء الجواب هكذا، الخلاف هو في اختيار المفردات التي لم يكن المتحدث يدرك وقعها على الأسماع، والتعميم الذي لم يميز فيه بين فئات الناس واختلاف مستوياتهم المعيشية.

فهناك من يعيش رفاهية عالية بل وأكثر مما تعبر عنه كلمة رفاهية؛ يعيش تخمة مالية، وهم قلة لا يقاس عليها وندرة لا حكم لها، وهناك من لا يعرف شيئا منها ولا يقترب من حماها الممتنع وحصنها الحصين لأهلها، وبين الحالين هناك مساحة واسعة ممتدة ممكنة لوصف واقع الشعب بأطيافه الكثيرة ودرجاته المختلفة، لكن المشكلة هنا ليست في وجود الرفاهية أو عدمها، المشكلة في استعمال اللغة المستفزة عندما تلغي الأكثرية العددية وتتجاهلها وتضيفها إلى ما لا يمكن أن يكون منها، وأنا متأكد أن الأكثرية من سكان المملكة لم تصل إلى مرحلة الكفاف فضلا عن الغنى ثم الثروة ثم بالترتيب وبمسافة طويلة جدا وبعيدة جدا من حالة الرفاهية موضع الحديث، فمن لا يجد مسكنا مستقلا مملوكا له يعيش مستقرا فيه لا يمكن أن يعد من أهل الكفاف فضلا من أن يصل إلى مرحلة الغنى، وأظن أن الحسنة الوحيدة لوزارة الإسكان والجهود المقدرة لها بكل صراحة هي إحصاؤها عدد من تنطبق عليه شروطها القاسية لمن يستحق منزلا بعونها ومساعدتها إن كان ثمة عون أو مساعدة، وقد أحصت هؤلاء وكانوا نسبة عالية من المواطنين الذين لا يملكون مسكنا، وهذا العدد الكبير لا يمكن أن تمر على أسماعهم كلمة الرفاهية للشعب كله وهم جزء منه دون أن يشعروا بالغضب لوصفهم بما لا ينطبق على حالهم لأنهم يعرفون حقيقة وضعهم الذي لم يصل إلى مرحلة الحد الأدنى من الكفاف.

ومثل هؤلاء عدد آخر وطائفة كبيرة من الشعب ومن أهم فئاته وهم الشباب الذين تجاوزت نسبة العاطلين منهم كل المعدلات المعقولة حتى في أكثر الدول فقرا في العالم، هؤلاء لا يجدون عملا وأحسنهم حالا وأكثرهم غنى من يعيش على بقايا تقاعد والده المسن ويشارك عددا من إخوانه وأخواته ذلك النزر اليسير الذي يقتسمه أهل بيت كامل من العاطلين رجالا ونساء، ووصف هذا القطاع الكبير من الشباب بالرفاهية تجاوز لحدود اللغة ودلالتها المعرفية.

ولهذا السبب كان الرفض القاطع والاحتجاج الحاد من الناس الذين رفضوا وصفهم بالرفاهية التي يعيشها العدد القليل منهم، والجيد في الأمر أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت في جانبهم ووقفت معهم فكان الوسم الذي وضعوه أقوى تعبير عن غضب اللغة لكرامتها عندما تستعمل في غير مكانها وعن غضب الناس لجهل واقع الكثير منهم، والصدمة التي شعر بها المواطنون الذين كانوا يظنون أن المسؤولين عنهم وعن التخطيط لمستقبلهم يعرفون ما الناس فيه من ظروف صعبة يعيشونها، ويظنون أنهم يعملون لتغيير ما الناس فيه إلى ما هو أفضل، ويحترقون من أجلهم، وإذا الأمر ليس كذلك، فالشعب عندهم لا يعيش رفاهية عادية، بل يعيش رفاهية عالية، وتلك هي المأساة.