اليوم الوطني.. المعنى

مضت سنوات طويلة، اقتصر فيها الاحتفال باليوم الوطني على مظهرين لا ثالث لهما

مضت سنوات طويلة، اقتصر فيها الاحتفال باليوم الوطني على مظهرين لا ثالث لهما

الأربعاء - 24 سبتمبر 2014

Wed - 24 Sep 2014



مضت سنوات طويلة، اقتصر فيها الاحتفال باليوم الوطني على مظهرين لا ثالث لهما.

الأول: البرامج الإعلامية في الإذاعة والتلفزيون الرسميين، وهي أعمال تسجيلية تستعرض عدد الجامعات والمستشفيات والمدارس والمصانع..

إلخ.

تتخللها أحاديث مسجلة لفئات من المسؤولين تمدح الوطن، وتعيد المتوالية ذاتها التي نسمعها منهم في كل عام.

ناهيك عن أن تلك البرامج ظلت حبيسة الرؤية التي تُقدَّم بها منذ عشرات السنين، ولا جديد فيها سوى بعض الأغاني الوطنية التي تقدم كفواصل بين المطولات السردية التي تستعرض عدد المنجزات، وكذلك تفنن المذيعين والمذيعات بارتداء الزي الأخضر والأبيض، واستقبال اتصالات المواطنين، وسؤالهم عن شعورهم في اليوم الوطني.

أما المظهر الثاني: فيتمثل في اللافتات التي نراها في الشوارع ومثلها إعلانات الصحف، حيث تتبارى المؤسسات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال بنصب اللوحات في الشوارع بالجمل والصيغ المعهودة، وتتحول الصحف إلى منشورات احتفالية وبصيغ ثابتة، وهو ما يدر كماً من الإيرادات المالية لصالح الصحف.

ولا تثريب على القوم جميعاً في اختيار الطريقة المناسبة للتعبير عن وعيهم وإحساسهم بهكذا مناسبة.

غير أن ثبات وتكرار الاحتفاء والاحتفال على تلك الهيئة يتطلب التوقف، ومساءلة أنفسنا كمواطنين، هل هذه هي الطريقة الأصح والأمثل لترسيخ معنى الوطنية، وإيلاء هذه المناسبة ما تستحقه من تبصر ومراجعة وتأمل، ولتكريس معنى أعمق لهذه المناسبة، معنى لا يتوقف عند الوطن بوصفه حاضناً فيزيائياً لوجودنا، ولا يتوقف عند الجذل بيوم الإجازة، التي تقرر وحدِّد للتمتع بهذه المناسبة، ولا يتوقف على تلك المظاهر الشكلية التي ألفناها، وتتكرر كل عام.

معنى..يستوعب حساسية ومفارقة التوافق بين توقيت المناسبة: الأول من الميزان، وبين السعي الحميم والترقب والانتظار الجسور من شبابنا وأطفالنا وربما كبارنا لهذا اليوم، لكسر نمط الجفاف المزمن لحياتنا والصرامة الميكانيكية لنشاط السواد الأعظم من الناس، عمل، منزل، تسوق .

وتفريعات شحيحة تخترق هذا الثالوث بحثاً عن الفرح والبهجة، وممارسة الإنسان/ المواطن لبشريته وإنسانيته في الغناء للوطن والتماهي برمزية اللون الأخضر، واعتمار الراية الخفاقة على الرؤوس وحول الأعناق.

معنى..يعيد تأمل إنجازاتنا في مجال قيمة وحقوق وواجبات واحتياجات الإنسان/ المواطن.

وضرورات حياته، ومكانه ومكانته في ضمير المسؤول وعلى خارطة الوطن، وفي مجال البحث العلمي والإنجاز الوطني الحقيقي، والوحدة الوطنية، وفي مسار التئام الشعب بقيادته، معنى..يكرس رؤية المؤسس الراحل رحمه الله، ومقاصد كفاحه العظيم.

وإرادته السنية؛ في بناء وحدة شبه الجزيرة العربية في كيان، اسمه المملكة العربية السعودية.

معنى..لا يتوقف عند تعداد كمّ المشروعات والمنشآت، ولكن يقيِّم نوعيتها وكفاءتها، وفاعليتها،وجوهر ما أضافته للمواطن.

معنى..يعيد تأمل حجم المصروفات السنوية على المشاريع وخطط التنمية، ويتوقف لسؤالها عن ماذا قدمت للمواطن، ذلك الذي اشتق وصفه من الوطن، وصار شرطاً وجودياً له.

معنى..يعيد توجيه كاميرات ولواقط صوت الإذاعة والتلفزيون وتصحيح مسارها، يخرج بها من مكاتب المسؤولين الفخمة والمترفة، ويوجهها إلى أعماق المدن وأطرافها، ونواحي الوطن كافة، ويكشف آخر نقطة وصلت إليها التنمية في تلك النواحي والأطراف.

معنى..يجيش به فؤاد (مواطن بسيط غلبان) مترع بعشق تراب الوطن، وهو لم يذق من نعمائه ونعيمه؛ سوى عذوبة الانتماء، وعذابات الإهمال والنسيان.

معنى..يحصر كم المصروف النقدي على إعلانات الصحف ولوحات الشوارع،والمناشط الخطابية والملاحم الكلامية، ويرشِّد إنفاقه،على الأوْلى والأحق:الإنسان/المواطن المحتاج في كل مدينة ومحافظة وقرية وهجرة.

معنى..أن تتأمل التوق إلى الفرح والبهجة والاحتفال، في عيون المنتشين بالوطن في الشوارع وعلى الطرقات والأرصفة، وهم يتوشحون راية الوطن، وينتشرون في فضاءات بلا أسوار أو مسافات وفواصل.

معنى..أن نتساءل كم هو الفرح والبهجة ونشوة الإنسان الفطرية بحب الوطن.

صارت نادرة، محصورة مقهورة مغلوبة على أمرها؛ تتشوف ليوم الوطن، كي تتجلى وتتعالى وتتكوَّن،وتتنفس شيئاً من بشريتها وحريتها وعفويتها.

معنى..أن يدرك أننا كشعوب العالم، بحاجة إلى الفرح، إلى أن نغني للوطن، ونحن ندرك حقيقة ماذا يعني الوطن.