سليمان الضحيان

معرض الكتاب ومنع الكتب

الاثنين - 06 مارس 2017

Mon - 06 Mar 2017

الكتاب يرمز للسلطة المعرفية التي يتميز بها منتجوه، وهم طبقة العلماء والفلاسفة والأدباء والمؤرخين. ولأن السلطة السياسية في الدولة في العصور الماضية ترفض وجود أي سلطة موازية، وتسعى لاحتكار كل سلطة مؤثرة في المجتمع كان لها موقف من الكتاب في حقلين، الحقل السياسي، إذ سعت لملاحقة الكتاب الذي يتناول الأمور السياسية من وجهة نظر مخالفة لرؤية السلطة، والحقل الديني، إذ سعت لمنع أي كتاب يخالف أيديولوجية الدولة.



وقد تفاوتت الدول في العصور الماضية في موقفها من الكتاب، فحيث يكون الازدهار الحضاري تخفت ملاحقة الكتاب ومؤلفيه، وحيث تخفت الحضارة، ويسود التقليد، تزدهر ظاهرة منع الكتب، ولهذا برزت تلك الظاهرة في الدولة الإسلامية في العصر الوسيط، فالدولة الأيوبية أحرقت كتب الإسماعيلية، وكتب السهروردي بعد إعدامه، ودولة المرابطين أحرقت (إحياء علوم الدين) للغزالي، وكتب الفقه المالكي، وكتب ابن رشد الفلسفية، والدولة الصفوية أحرقت كتب أهل السنة، ومع هذا فلم يشكل منع الكتب ظاهرة عامة في التراث العربي أو العالمي، إذ إن انتشار الكتب كان محدودا نظرا للنسخ اليدوي، فكان الكتاب وقفا على طبقة النخبة من العلماء والأدباء، لكن اختراع المطبعة في القرن الرابع عشر الميلادي ساهم في انتشار الكتاب انتشارا واسعا بين فئات كثيرة من المجتمع، وهذا ما جعل السلطة الكنسية في أوروبا ترى أن الكتاب أصبح يمثل تهديدا لسلطتها، فحسب كتاب (الكتب الممنوعة) لماريو إنفليزي فإن البابا إنوتشينزو الثامن أنشأ عام 1487م أول هيئة مراقبة كنسية للكتب، وقد أصدرت (قوائم الكتب الممنوعة)، وقامت بمصادرتها، ومعاقبة كل من يمتلك واحدا منها، أو يروجها بين الناس، ومحاكمة مؤلفيها في محاكم التفتيش والحكم عليهم بالإعدام.



هذه الرقابة الصارمة التي كانت تمارسها سلطة الكنيسة على الكتب، ومعاقبة من يقتنيها، وإعدام مؤلفيها آتت ثمارا عكسية، إذ أشعلت صراعا بين المعرفة ممثلة بالمثقفين والفلاسفة والأدباء، وبين الكنيسة على امتداد ثلاثة قرون، وما لبثت المعرفة أن انتصرت في صراعها على الكنيسة، وألغت سلطتها، وتوارت الكنيسة في ركن قصي تطل على المجتمع منه على استحياء. وأصبح اليوم الحق بالمعرفة من حقوق الإنسان المعترف بها دوليا. والمفارقة البالغة الغرابة أنه بعد كل هذه القرون، وفي أيامنا هذه ما زال هناك أنصار لمنع الكتب، ففي معارض الكتاب لدينا في السنوات الماضية نجد شكاوى بوجود كتاب ما يباع فيه، إذ ما زال أصحاب تلك الشكاوى يظنون أن كتابا ما سيفسد المجتمع، وسيزلزل عقيدته، ويفسد أخلاقه، وأن الحل هو منعه ومصادرته، وكثيرا ما يستجيب لهم المسؤولون في إدارة المعرض، سدا لذريعة التشويش، وحفاظا على سمعة المعرض لدى جمهور الناس.



والمشاهد أن كثيرا مما يظنونه وهم، والأمر في أغلبه لا يعدو أن يكون الكتاب يخالف ما ألفوه من فكر، فتذهب بهم الظنون فيه كل مذهب، ومع هذا فلنفترض صحة ما ظنوه، فإن المنع ليس ذا جدوى اليوم، إذ إن سدود المنع انهارت، وأصبح الكتاب – مهما كان موضوعه – في متناول من يريده من خلال الانترنت، وأعرف بعض المثقفين ترك شراء الكتب البتة، واكتفى بتنزيلها في ايباد، فأصبحت مكتبته بين يديه حيثما حل وارتحل، وحسب أولئك الظانين أن يعلموا أن كتاب (وهم الإله) لريتشارد دوكنز، وهو أيقونة الملاحدة في إنكار وجود الله موجود في الانترنت مترجما للعربية، ويمكن تنزيله من أكثر من عشرين موقعا، وله نسخة صوتية مسجلة لمن يحبذ الاستماع، والنتائج عنه في محرك البحث (قوقل) 8880 نتيجة ما بين تحليل، واختصار، ونقد، فليت شعري هل يجدي المنع والواقع هكذا؟!



[email protected]