من داخل أسوار المدرسة

الأربعاء - 01 مارس 2017

Wed - 01 Mar 2017

في الأماكن العامة المكتظة بالناس يزعجنا جميعا منظر التزاحم وعدم التنظيم حول المقاهي وعند صناديق الدفع والمطاعم والألعاب، وكثيرا ما بادرني السؤال: لماذا لم تتحسن أو تتغير هذه الظاهرة المزعجة رغم تعاقب الأجيال وما لحق بها من تغييرات؟



حيث تتحول هذه المظاهر إلى أزمة حقيقية وقت المواسم التي يفترض فيها تواجد المئات من الناس في أماكن محددة، مما يجعل العديد منا يفكر ألف مرة قبل التوجه لأماكن الفعاليات والمناسبات العامة وفي الأسواق عند تواجد التخفيضات والخصومات الموسمية.



الحقيقة أن معظم السلوكيات التنظيمية هي ليست مكتسبات عائلية بحتة قد يحرم العديد منها لظروف شخصية واجتماعية، بقدر ما هي برامج تدريبية تبدأ وتفعل وتتقن في الرواق التعليمي الكبير، فالمدارس هي المؤهل التنظيمي الأقوى لسلوك جميع من نجدهم يتدافعون ويتسابقون نحو سلع نراها متوفرة طوال الوقت، ولكن عامل الازدحام يحرر عنصر التنافسية الخامل بداخلهم، فنرى بعض الأفعال المخجلة من أشخاص جميعهم يرتاد المدارس والجامعات.



إن الحديث عن وقت «الفسحة» المدرسية يفتح الباب لحوار مقلق من قبل الوالدين والمعلمين والطلبة، حيث الجانب الصحي يحيط به الكثير من الاعتراضات، ونقاشه يحتاج العديد من المقالات والاقتراحات، ولكن ماذا عن طرق تناول وشراء الوجبة المدرسية بين الطلاب؟



في اعتقادي أن ضبط هذا السلوك سيكون شرارة بدء لتجديد الفوضوية في عدم الانتظام الآلي الجماعي عند حالات الطوارئ والزحام، والتي تعاني منها معظم الدول العربية، ولن تلبث حتى تصبح صورة نمطية متواترة بين الأجيال وتصير قضية الاختناقات والتجاوزات حول المواقع الخدمية صورة قديمة، فمن يرى منظر الطلبة حول المقاصف المدرسية يدرك بجلاء عنصرا أساسيا لسبب السلوك الفظ غير المحمود الذي تتنازعه التنافسية الفردية دون آلية تنظيم مدروسة ومضبوطة بالتقويم المعرفي السلوكي من قبل إدارات المدارس، فقيادة المجموعات وتنظيمها تحتاج لوقت طويل وجهد، ولكنها لا تلبث حتى تصبح عادة اجتماعية راسخة تضاف إلى ثقافة الشعوب.



التأثير النفسي للمشاركة في سلوك محدد وفق شعارات تنظيمية منظورة ومقروءة، يتحكم في سلوك المجموعات البشرية الكبيرة ويجعلها تتمسك بهذا الطابع السلوكي، فالسلوك الجماعي الموحد يعطي الشعور بالقوة والتوافق والاطمئنان للأفراد مما يصعب تغييره بعد تطبيقه واعتياده، وهو ما نحن بحاجة ملحة له في هذه الناحية، كما أنه يقود إلى النظام التلقائي في العديد من السلوكيات التي تشوه أي تجمع بشري ومرافقة، مثل تنظيم الاستهلاك غير المسؤول، أو تنظيف المرافق العامة بعد استخدامنا لها، وعدم رمي النفايات أو تركها خلفنا، جميع هذه السلوكيات سيكون البدء في معالجتها فعليا من داخل أسوار المدرسة.