فائز صالح جمال

ركزنا على العُشر وتركنا التسعة أعشار

الأحد - 26 فبراير 2017

Sun - 26 Feb 2017

قيل: يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.



وذهب بعض العلماء إلى أن التجارة أفضل المكاسب.



وعلى هذا المذهب فالعمل في التجارة أفضل من العمل في الوظيفة، ومما يقوي تفضيل الاشتغال بالتجارة على الوظيفة أن العمل في التجارة أنفع للناس غالبا وأنها سالمة من منة صاحب العمل، وتسلطه، ونحوها من المكدرات التي قد تكتنف الوظيفة، والتجارة أوسع أبواب الرزق، كما أخرج مسدد في مسنده عن نعيم بن عبدالرحمن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة.



سقت هذه المقدمة المقتبسة من مركز الفتوى على موقع إسلام ويب للحديث عن برامج السعودة التي بدأت منذ ما يقارب الثلاثين عاما وما زالت تركز على فرض التوظيف والإحلال وتهمل فرص التجارة وتوليد فرص العمل. وفي ظني أن مرد ذلك هو ما أسميه الحلول الاستقرابية التي يلجأ لها المسؤولون المعنيون بالسعودة وتوطين الوظائف.

وكلمة الاستقرابية استعرتها من أدبيات التسويق، إذ يطلق على بعض السلع وصف الاستقرابية وهي التي يعمد المشتري إلى شرائها من أقرب محل لمكان سكنه أو عمله وأشهرها سلع البقالة ولا يتعنى ويقطع لها المسافات كالسلع الكمالية والسلع الفاخرة..



وقد دأب المسؤولون عن وضع وتنفيذ برامج السعودة إلى الحلول الأسهل المرتكزة على محورين، الأول: مبدأ الفرض والإلزام لمؤسسات القطاع الخاص بتوظيف السعودي وممارسة ضغوط لا تراعي الكفاءة والتأهيل للوظائف المتاحة ولا الجدوى الاقتصادية للمؤسسات الصغيرة والتي تشكل ما يفوق التسعين في المائة من مؤسسات القطاع الخاص.. وأما المحور الثاني: فهو إعطاء أولوية لآلية إحلال السعودي محل الوافد على حساب مفهوم التنمية توليد فرص العمل للسعودي..



وجميع هذه البرامج تصب في خانة التوظيف الذي يمثل عشر أسباب الرزق، وتم إهمال التسعة أعشار الباقية وهي في التجارة كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام..

فرص التجارة كثيرة ومجالاتها واسعة جدا، والمكاسب التي تحققها لأصحابها التجار – صغارا كانوا أم كبارا - كبيرة مقارنة برواتب ومزايا الوظائف.. والتجارة كذلك ولادة لفرص عمل.. فلو ركز المسؤولون والجهات المعنية على تمكين المواطنين والمواطنات من دخول مجال التجارة وتسهيل الإجراءات وتذليل المعوقات التي تقف أمامهم لبدء أعمالهم وأفكارهم التجارية واختراقهم للأسواق التي سيطر عليها المتسترون والمتستر عليهم من العمالة الوافدة لحققنا التوطين المنشود ولحافظنا على ثروات بلادنا وعظمنا نفعها لأهلنا وأبنائنا وبناتنا..



إن برامج السعودة والتوطين التي اعتمدت الحلول الاستقرابية بالفرض والإلزام بتوظيف السعودي وإحلاله مكان الوافد دون تمييز بين القطاعات المختلفة ودون مراعاة قدرة أو رغبة السعودي للعمل فيها؛ أدت إلى خنق مؤسسات القطاع الخاص ووقف توسع أعمالها، وأضعفت قدرتها على خلق فرص وظيفية جديدة، ودمرت منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع بدفع التجار والمواطنين إلى الاحتيال والالتفاف على الأنظمة، وأفسدت قيم العمل والإنتاج، فركن بعض شبابنا إلى الكسل والحصول على أموال دون أي إنتاج من خلال ما سمي بوظائف السعودة الوهمية وبرامج حافز التي رعتها وزارة العمل للأسف.. فكانت النتيجة هي ما نعيشه من ضعف إنتاجية ومعدلات مرتفعة للبطالة مع تضخم متتابع لأسعار السلع والخدمات..



في حين أن الصحيح أن يتم البدء بتسهيل فرص التجارة ومنح الحوافز للمواطنين لخوض غمارها بإعفائهم –على سبيل المثال- من الرسوم الحكومية لمدد محددة وتخصيص نسبة من محلات الأسواق الكبرى بإيجارات منخفضة على غرار مبادرة معاد الاقتصادية التي كانت موضوع مقالي السابق، ففي التجارة تسعة أعشار الرزق وتسع أعشار الفرص الوظيفية، ومن بعد ذلك يأتي فرض توظيف السعودي وإحلاله مكان الوافد شريطة أن يكون ذلك في حدود ما يتوافر من أعداد قادرة ومؤهلة وراغبة من السعوديين لسد حاجة سوق العمل ووفقا للقطاعات التي يقبلون عليها..



[email protected]