عبدالله الجنيد

جنيف 4,3,2,1

الاثنين - 06 فبراير 2017

Mon - 06 Feb 2017

ما هو مستوى المكاشفة المطالبون به نحن ككتاب رأي عرب في تعاطينا مع الشأن السوري عندما نخاطب قيادات الثورة السورية بعد تحولها لقيادات متفندقة في العواصم؟ إلا أن مقال العميد الركن أحمد رحال على موقع كلنا شركاء بتاريخ 3 فبراير الجاري تحت عنوان «من يقود الثورة السورية» قد يزيح عن كاهلنا جزءا من ذلك العبء.



وفي نفس الوقت يجب ألا نكتفي بذلك، حيث تستوجبنا المسؤولية الصدق مع إخوتنا في الثورة السورية بأن المغالاة في تضخيم حجم الوفود والرؤساء قد حجبت رؤيتنا لسوريا القضية والثورة، وباتت أناقتكم مقدمة على مواقفكم.



أما قيادات الفصائل الميدانية الأقرب للطالبانية الأفغانية منها إلى تاريخ سوريا وإرثها الإنساني فحدث لا حرج.



وللتدليل حصرا وكيفا، فإن موقفها من الدستور الروسي المقترح توقف عند اعتراض من حضر مؤتمر «أستانة» على تعريف الدولة «بالعلمانية» واستبدالها «بالديمقراطية».



فأي مشروع يمكن أن تقدمه هذه الفصائل في حال كتب لها إدارة الشأن السوري بافتراض رحل الأسد؟ بالتأكيد أن المجالس الشرعية من منظورها الطالباني هي من ستحل مكان البرلمان.



ذلك هو شكل الديمقراطية الذي ستقدمه تلك الفصائل، أي وطن يحكمه أمراء حرب يتقنون فن النخاسة والتهريب.



فهؤلاء الطارئون على الحراك السوري هم اليوم من يناقش مستقبل سوريا بعد أن انشغلت القيادات المتفندقة باستمزاج رأي العواصم، لا وضع سوريا المشتتة كأولوية قبل أن تضيع بين جنيف وفيينا وأستانة مؤخرا.



إلا أن التحول النسبي من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة من مفهوم مبدأي الاستقرار ومحاربة الإرهاب قد يقود إلى فرض فرصة جديدة قد تخدم الملف السوري ولصالح السوريين عبر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.



فإعلان الرئيس ترمب عزمه إقامة مناطق آمنة في سوريا خلال مباحثاته الهاتفية مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يعد أهم المؤشرات على حدوث تلك التحولات، إلا أن قراءة ذلك الاقتراح من منطلقاته الإنسانية لا السياسية تعد تجاوزا للواقع.



فذلك الاقتراح هو بمثابة الفرملة لملف سوريا المنزلق للهاوية. وما البدء في تزويد قوات سوريا الديمقراطية بعربات قتالية وتقديم الدعم الجوي لها تحت بند دعم التحالف الدولي «لا» الإدارة الأمريكية إلا تأكيد عملي لذلك التوجه بما فيه تأجيل مؤتمر جنيف4 إلى أواخر فبراير الجاري.



وقد تمثل تغريدة الرئيس الأخيرة حول العراق «إيران تستولي أكثر فأكثر على العراق بعد أن أهدرت واشنطن 3 تريليونات دولار هناك، وهذا واضح منذ فترة طويلة»، هذا التوجه، وتأكيدا لذلك رفض الرئيس ترمب استقبال رئيس الوزراء العراقي العبادي للتهنئة.



هنا، كل ما تقدم يمثل مجتمعا عزم هذه الإدارة إعادة الالتحام بحلفائها الحقيقيين لفرض الاستقرار في المنطقة. كذلك علينا قراءة تنفيذ سلاح الطيران الأردني لعمليات مباشرة ضد داعش في جنوب سوريا كتأكيد آخر على جملة التحولات التي تجري الآن في المنطقة.



ما تقدم من وقائع يقودنا تلقائيا من جديد إلى محاولة استيضاح مستقبل القيادات السورية المتفندق منها والطالباني بكل مسارتها المرتبطة بالعواصم، والأخرى الموسمية، عن ماهية مرجعيتها، فهل جنيف1 هي مرجعيتها أم هي غير ذلك.



أما ثانيا: فهل ستستطيع التكيف مع رئيس لن يقبل بمبدأ «ما تسمونه أنتم تنظيما إرهابيا هو بالنسبة لنا إسلامي»، فالدعم المقدم لقوات سوريا الديمقراطية وهو الفصيل العسكري الأكثر انضباطا والممثل لثقافة سوريا المتعددة سيصبح الآن رأس الحربة في السياسة الجديدة لترمب وحلفائه في المنطقة.



والدور الواضح للمرأة السورية في صفوفه سيعزز من تلك الحظوظ، ونعم العالم يتعاطى مع تلك كقرائن. فوجود العنصر النسائي ضمن صفوفه يؤكد ثقافته السياسية المدنية، بعكس الفصائل الأخرى التي تنكرت لمكانتها وابتسرتها في صورة نمطية غير منتمية للثقافة السورية.



فبأي شكل قدمت باقي أفرع المعارضة السورية هويتها الوطنية قبل السياسية للسوريين قبل غيرهم؟ أما المتفندقة فلم يسجل لأعضائها أي تواجد ميداني، أو أي إجماع سياسي حول موقف، أو حتى تأجيل صراعاتها الداخلية.



وحتى نقاش من سيحضر جنيف4 يحدد من قبل العواصم عبر لقاءات ومواقف من موسكو إلى طهران مرورا بأنقرة.



فلقاء مبعوث مجلس الأمن القومي الروسي الكسندر لافرنيتف مع الأدميرال علي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني للتنسيق حول موقف موحد من جنيف4 ، بالإضافة لموقف أنقرة من نفس المسألة، يحجم من مكانة الدور الواجب أن تضطلع به قيادات المعارضة أو المعارضات السورية.



ما هو مطلوب الآن من كل تلك المسارات المتفندقة في العواصم حسم أمرها من مسؤوليتها الوطنية لا ولاءاتها السياسية والعقائدية، فذلك التداخل بين الوطني والعقائدي، الروحي منه والسياسي، كان أكبر أسباب تفسخ الثورة.



بل إن سقوط حلب بعد صمودها البطولي ما كان ليحدث لولا دخول تلك التنظيمات على خط صمود الثورة فيها.



فهذه الهيئات والمجالس الثورية ليس لها أن تتحجج بقصور الدعم المقدم لها فقط، لأنها اختارت المسارات الأكثر سهولة في تمثيلها لرؤى العواصم بالإضافة لأشياء أخرى.



ولو كان للسوريين الآن الاختيار فعليهم أولا نبذ كل التنظيمات المتعارضة وسوريا الحقيقية المدنية والجامعة لكل أعراقها وإرثها الإنساني.