نياط أم سياط؟

الأربعاء - 01 فبراير 2017

Wed - 01 Feb 2017

لعقود مضت، كان المثقف لا يحظى بالتأثير المأمول بعد أن كان في عصر ما قبل الإسلام أداة مهمة من أدوات الإعلام في ذلك الوقت، وإن اقتصرت هذه الثقافة على الشعر والخطابة في تلك العصور، فقد كانت المحرك الأساسي للحروب والذراع الرئيس لأدوات الصراع وسلاحا إعلاميا فائق الفعالية في الدعاية والتواصل ومعول تأثير في تلك المجتمعات.



واستمرت أهمية هذا الدور منذ بداية العهد الإسلامي المجيد حتى وصلنا إلى عصر النكسة الثقافية إبان الاستعمار الذي حاول أن ينزع الأمة من إرثها الثقافي ومن تراثها الإنساني بتصدير ثقافة الغرب بشتى جوانبها، فجاء في العصر الحديث من يبعث هذا الإرث الذي أوشك على الانقراض حتى استعاد شيئا من هيبته.



لكن المتأمل لهذا العصر يلاحظ عدم عودة ذلك الزخم والتأثير الذي كان قبل ذلك والسبب برأيي: لم يكن بسبب تعدد الوسائل والقنوات الثقافية واختلافها عن ما كانت عليه في السابق، بل في تأثير المثقف نفسه، فالمتابع للمشهد يجد مدى الشيفونية والتعالي، وحتى البراغماتية النفعية التي يمارسها بعض المثقفين ممن سولت له نفسه أن يصفها بذلك، سواء كان بالطرح أو التواجد متناسين أن الجمهور هو الرصيد الحقيقي الذي يعد العتاد والوقود الدافع للمثقف، ذلك الجمهور الذي أصبح لا يأبه بمن يستخف به ويجعل من نفسه وصيا على آرائه وتطلعاته انطلاقا من مبدأ «ما أريكم إلا ما أرى».



إن دور المثقف الحقيقي الذي يملك التأثير: هو فتح شرفات العقل ومشاركة الناس ذلك النور الذي كان يتسرب من النوافذ، لا أن يحصر العالم كله في وجهة نظره فقط، والتي قد تخطئ حدقته مشاهدته، ويختزل العالم كله فيما يخصه وحده. متناسين تلك القضايا على اعتبار أنه رئة المجتمع وصوتهم الذي قد تخنقه ردهات الأمكنة، فقد تخونه بوصلته في توجيه الناس إلى موانئ التنوير التي ينشدون، في وقت يستحيل فيه سراب طرحه إلى مهلكة تفضي إلى القضاء على ملامح نبوغه وعبقريته التي أوهم جمهوره العريض بها.