مرزوق تنباك

تقطع عنقه وهو يبتسم

الثلاثاء - 31 يناير 2017

Tue - 31 Jan 2017

المسافة بين المدح والثناء دقيقة جدا مع اختلاف الحال بين المعنيين رغم تقارب المدركات منهما وبسبب هذا التقارب يقع الخلط بينهما في كثير من الكلام المرسل الذي لا يحترز قائله أو لا يكون دقيقا في وضع كل منهما في الموضع الذي يصلح له، ومن المسلم به أن الإنسان مجبول على حب المديح والطلب له وسماع القول الحسن عنه وعن أعماله، ولا يخلو من ذلك إلا القليل الذي لا حكم باعتبار القاعدة العريضة التي يقوم الحكم عليها.



وكان العرب منذ القدم أهل شغف فيما يجلب المديح لهم، حافزهم إلى ذلك طلب الذكر الحسن بين الناس والمباهاة به بين الأقران، وكان في القديم يطلب المديح بعمل ذاتي يقوم به الإنسان وهو أمر لا يتعلق بما هو خارج الذات، فلا يكون المديح إلا في أشياء خاصة ومحدودة مثل أن يبذل المرء نفسه في معركة الدفاع عن حياض القبيلة وإبراز بطولته، أو يبذل ماله في سبيل أن يقوم المنعم عليهم بالمديح له على بذله وجوده وسعة يديه لإعطاء الناس والتكرم عليهم من ماله وما كسبت يداه، وقلما يمدح في غير ذلك، وإذا نظرنا نظرة واقعية لهذين الأمرين؛ الشجاعة في القتال وتعريض نفسه للخطر من أجل المدح، والثاني إنفاق ماله في سبيل مجده الخاص، نجد أن كلا الحالين لا يتعلقان بأمر عام يتعدى ضرره إلى غير الرجل نفسه الممدوح والمادح دون أن يصيب أحدا من الناس، ومع هذا الحال الشخصي جدا والفردي أيضا نهى الرسول عن المدح وزجر عنه بشكل قاطع فقال: إذا جاءكم المداحون فاحثوا في وجوههم التراب. وفي رواية أخرى زجر أشد لمن سمعه يمدح رجلا مبالغا في مدحه فقال: قطعت عنق الرجل.



أما مداح اليوم فهم أشد خطرا من كل هؤلاء الذين نهاهم الرسول عن المدح ووصفهم بقطع أعناق الرجال، لأن مداح اليوم يتوجهون بمدحهم لمن يقومون على أمر عام للناس، ويباشرون شؤون المجتمع، فيجعل المداحون مدحهم وسيلة إلى مصالح خاصة لهم ويبالغون بالتزلف إليهم وتزيين أعمالهم، سواء كانت تلك الأعمال حسنة في صالح الناس أو كانت سيئة عليهم، وليس مديحهم قناعة بما يفعل الممدوحون ولكن طلبا لرضاهم وتقربا إليهم لقضاء حاجة، أو نيل منفعة لا يحصلون عليها إلا حين يسبلون آيات المديح لأشخاص يطلبون منهم حاجة، أو يحاولون شيئا لأنفسهم، وهم في مدحهم قد لا يقطعون أعناق ممدوحيهم، بل يقطعون مصالح الناس التي يشرف عليها هؤلاء الممدوحون، فيكون مدحهم غشا وتدليسا وخطرا على المصالح العامة التي يتولاها هؤلاء الممدوحون، حين يصدقون ما يسمعون ويظنون أنهم أصابوا وأحسنوا فيما يفعلون، فلا ينظرون في نقص إن حدث في أدائهم ولا تقصير في عملهم إذا سمعوا كيل المديح المجاني الذي يتردد على أسماعهم.



أما الثناء، فإنه ذكر حسن لعمل وقول حق فيمن يحسن الثناء عليه من الناس، والثناء في أغلب حالاته لا يقال أمام من يثنى عليه بل يكون في حالات كثيرة رد فعل لذكر ماض وحمد لخصلة وجبلة محببة فيمن يثنى عليه، ولا يكون لجلب منفعة ولا استرضاء لعاطفة، ولهذا جاء الاختلاف بين الحالين؛ المدح الممقوت والمنهي عنه، والثناء المحمود والمقبول والواجب قوله لمن يستحقه.



[email protected]