طاحونة التنمية

السبت - 07 يناير 2017

Sat - 07 Jan 2017

لكل تغير مدني - مهما بلغت جودة ذلك التغير - سلبياته، التي قد تكون كارثية إذا لم يراع الإنسان سنن الكون في عمارة الأرض. والتي ترتكز على الاستفادة المبنية على توفير الاحتياجات ودون الإضرار بالبيئة والكائنات.



ومع احتدام الصراع وشراسة التنافس وتداعي الأمم والمجتمعات نحو مدارج الحضارات، وما يرتبط بها من استخدام للطاقة التقليدية، يظهر جليا مدى الحاجة إلى التطوير الذي يراعي متطلبات الزمان وشروط المكان اللازمة لبقاء الإنسان ووسطه الذي يعيش فيه بعيدا عن شبق الأنانية. التي يفاخر بها الإنسان دون وعي أو إدراك لحجم الخطر المترتب على هدر الموارد الطبيعية، ومقدار الخراب الذي يسببه الاستغلال المفرط لتلك الموارد على البيئة بتأثيرات الآنية أو المستقبلية.



وهو على النقيض مما يعرف بالتنمية المستدامة والتي تعني الاستغلال الأمثل لموارد الأرض بالشكل الذي يمنع استنزاف الثروات ولا يؤثر على الحياة والموجودات، ويحقق المساواة والتفاعل الإيجابي معها والمكون المحيط بها. بمعنى أن يكون الاستغلال ضرورة لمواكبة التطور الديموجرافي للأمم ومحاولة التعويض بين ما يتم استغلاله من موارد وبين ما يسد عجز المورد نفسه بإيجاد ما يمكن أن يعوض خطر ذلك النقص على الغطاء النباتي والمكون الحيوي، كزراعة الشجيرات على سبيل المثال من نفس النوع بدل الأشجار التي يتم قطعها كما في التجربة الصينية والإندونيسية. ويشمل الاستغلال الجيد للبيئة أيضا، استحداث بدائل جديدة للطاقة النظيفة والتي تسمى بالمتجددة، كالطاقة الشمسية، كما في ألمانيا التي تنتج 50% من الكهرباء منها، وطاقة الرياح والمياه.



وتساهم تلك البدائل في التقليل من الانبعاثات الكربونية التي صنعت الغازات الدفيئة المسببة لما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري. والاعتماد على الوقود الحيوي الذي ينتج غاز الميثان من النفايات والمخلفات الحيوانية كما في التجربة الهندية كمثال، ومعالجة مياه الصرف الصحي وتدوير المخلفات البتروكيمياوية وإعادة استخدامها. فلو كانت المحافظة على البيئة بدعا من ترف أو ضربا من توهم لما سميت غابات الأمازون برئة العالم. فلو احترقت تلك الغابات لتأثر بالنقص معدل الأكسجين في العالم.



في إحدى الزيارات التي قد يقوم بها أحدنا إلى إحدى المناطق الترفيهية التي عشنا بعضا من مراحل زهوها السالف، نصدم ونحن نشاهد تطورها الذي زاد البيئة انهيارا، بعد أن جرفها تيار العمران العصري وفرمتها طاحونة التنمية.



امتدت بها طرقات الاسفلت لتودي ما تبقى فيها من ازدهار بيئي ليصبح مجدها السالف «أثرا بعد عين»، ولم تلق أي تدارك من أي جهة بدعوى أن هذه حالة طبيعية جدا من حالات التغير ومرحلة اعتيادية من مراحل الجدب والتنوع في هذه الدنيا. هذه المأساة التي نشاهدها تحتم على صانع القرار التفكير الجدي في إنشاء قطاع مستقل للبيئة يعنى بالمراقبة ويوجد الحلول ويستفيد من التجارب الثرية الرائدة في العمران الحضري المبتكر حول العالم. وحال مدننا لا يقل ألما عن واقع القرى والريف! فنحن كما قال علي الوردي «أردنا أن نمدن الريف فريفنا المدن».