أحمد الهلالي

الجزيء المفقود!

الثلاثاء - 03 يناير 2017

Tue - 03 Jan 2017

من واقع الحياة نتعلم الكثير. الآن في هذه اللحظة كنت أظن أنني أمتلك حقيقة معلومة محددة، واتخذت كافة أحكامي وإجراءات ما بعد الأحكام، وكل تفكيري يجري في مضمار الحقيقة التي آمنت بها عميقا، حتى وردتني مكالمة بينت لي خطأ الحقيقة التي زعمت امتلاكها كاملة، واكتشفت أن كل معلوماتي وأحكامي حول القضية مبنية على أساس خاطئ توهمته، فالإجراء الذي لم أتنبه إليه يساوي 01%، لكنه يعادل 99%، لأنه نسفها كلها حين تكشفت الحقيقة الكاملة.



أتذكر مثلا شعبيا من قريتنا كانت أمي ـ يرحمها الله ـ تردده كثيرا «لا تظلم جارك حتى تبري دارك»، أي تتأكد أنك بحثت في كل الدار عما أضعت، قبل أن تتهم الآخرين، فالتأكد التام والاستقصاء المتأني هو مدار المثل الحكيم، وهذا ما يجب أن نتعلمه من تعاملاتنا الحياتية، فأخطاؤنا دروس حقيقية، فلو هداني الله واستقصيت كل الطرق المفضية إلى حقيقة القضية التي بنيت أحكامي عليها لاكتشفت الحقيقة، وما دخلت في دوامة متعبة.



من الحكمة ألا نتسرع في أحكامنا، ولا في قراراتنا، فالحقائق مراوغة، تحتاج إلى التأني والتفكر العميق، واتباع الخطوات الصحيحة للوصول إليها، فكم يؤرقني تسرعنا وتساهلنا في الاستقصاء والتأكد، رغم أنه منهج ديني أصيل، دل عليه الكثير من النصوص القرآنية والحديثية، ومنهج حكيم في ثقافتنا العربية، لكن العجلة تعمينا، وتحجب الرؤية أحيانا.



وفي ذات السياق تأتي مرارة القضية حين تتعلق أحكامنا بآخرين، سواء أكانوا أفرادا أم جماعات، فنطلقها جزافا بمجرد علمنا أو سماعنا بأمر يسير أو كبير عنهم، ونحن نتلو «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، وهذه الحال سائدة للأسف اليوم في الكثير من مجتمعاتنا، فيكفي أن يقول أحد إنك فعلت أو قلت كذا، لتنهال عليك كثبان السخط، وأنت ربما لا تعلم ولم تفعل.



وفي الاتجاه الآخر، ربما يغذي الفهم الخاطئ في توظيف بعض مخرجات الثقافة بناء الأحكام العاجلة على الآخرين، فلو تأملنا توظيف أمثالنا أحيانا فسنجده في غير محله، حين يقال «البعرة تدل على البعير»، و«كل إناء بما فيه ينضح»، ويقال شعبيا «من نظرة الرجال تعرف خوافيه»، أو يتباهى البعض بفراسته في معرفة الناس من أشكالهم، وليته يشتغل بنفسه، ويتذكر أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأى رجلا يثني على رجل، فقال: أسافرت معه؟ قال: لا. قال أخالطته؟ قال: لا. قال: والله الذي لا إله إلا هو ما تعرفه. فلنتعقل ولنرعوِ، ولنتقص ـ وأنا أولكم ـ في كل أحكامنا وقراراتنا، حتى لا نصبح من المخطئين أو النادمين.



[email protected]