شاهر النهاري

الإنسانية الهاربة والعبودية

الثلاثاء - 03 يناير 2017

Tue - 03 Jan 2017

كنت أستكشف بسيارتي بعض مجاهل القرى والهجر، في مناطق قاحلة نائية حتى من ظل الإنسان، تحت شموس القائلة.



وكما في الأساطير، برزت لي من السراب فتاة شرق آسيوية تسير على قدميها، وهي تحمل بقشة صغيرة، وعينها تحمل غضب الكون، وكبرياء التمرد، وآمالها تحثها على تجاوز عقبات القفار الموحشة.

كانت ترتدي جل ملابسها، وتنظر خلفها متوجسة، خشية ملاحق.



فكرت في التوقف وسؤالها عما حدا بها لهذه المغامرة الخطيرة، بالتواجد منفردة في مكان مهلك، ولكني حسبتها بسرعة قدرتنا نحن السعوديين على التخمين، فهي بلا شك تعمل خادمة في أحد بيوت تلك القرية، وربما وجدت نفسها في عبودية قسرية، وربما تعرضت للضرب أو التحرش، أو كلفت بعمل لا يطاق، وربما أنها قد عزلت عن العالم، دون حتى هاتف لطلب العون.



ثم خاطبني شيطاني، فربما أنها ترفض الشغل، وربما تعدت على أحد من تعمل عندهم، وربما أنها سارقة!



لحظات عصف ذهني، ثم تراجعت عن ظنوني عندما نظرت مجددا لدمعتها، ومنظر الدروب القشيبة، التي كانت تسير عليها، ومشاعر الوحشة في وجهها، ونظراتها المرتعبة مما يمكن أن يحدث لها، سواء لحق بها كفيلها ليستعيدها، أو مما ينتظرها في قسم الشرطة، والذي تجهل كيف سيكون التعامل فيه.



أصدقكم القول، إني أدرت سيارتي، وفكرت قليلا في مساعدتها، ولكن العقلية التحليلية جعلتني أفرض أن تركب معي، ثم أتهم بأني حرضتها على الهرب، أو أتهم بأني على علاقة بها، أو أني أتاجر في تهريب العمالة؛ ولربما كان كفيلها في حالة نفسية أو عقلية مختلة، وربما يحمل السلاح!



نظرت إليها مليا، وتمعنت وترددت، ووساوس الشيطان مستمرة في حثي على القيام بمساعدتها! وواعز التعقل ينصحني بعدم التدخل، وترك الخلق للخالق!



حيرة لم أجرب مثلها من قبل، وتردد قد يكون عقلانيا، ولكنه يحتوي على كميات جبن، وامتناع عن إغاثة الملهوف!



ما ذنب هذه الشابة الجميلة أن وقعت عقدا للعمل في بيت كفيل لا تعرفه، فتجد نفسها عبدة محصورة بين أربعة جدران في منطقة تبتعد عن الحياة عشرات الكيلومترات؟ ولماذا لا يكون لها الحق بالاتصال بجهة رسمية لتنقذها من ورطتها!



يا إلهي، فحتى متى يستمر مسمى الكفيل هذا، والذي يتعامل به بعضهم مع البشر وكأنهم بهائم الأنعام يجلبونها من السوق، ثم يمنعونها عن كل وسائل الحياة؟



لماذا لا يتم إلغاء الكفيل، واستقدام الراغبين في العمل حكوميا، وبكل احترام لإنسانيتهم، وإعطاؤهم الخيار بقبول العمل من عدمه، وبعد معاينة مكان العمل، ومقابلة من يقومون بخدمتهم؟



أحبتي، موضوعي المؤلم هذا يأتي باعتبار أن الثاني من ديسمبر المنصرم كان اليوم العالمي لمنع الرق والعبودية. ورغم مرور أكثر من 60 عاما على الاتفاقات والبروتوكولات الدولية لمنع الرق والممارسات الشبيهة له، إلا أن العبودية ما تزال تنتشر وتتوسع في العديد من المجتمعات، وإن اختلفت طرقها وأشكالها عما كانت عليه في العصور القديمة.



وقد ذكر أحدث التقارير الحقوقية عن مؤشر الرق العالمي أن نحو 46 مليون شخص في أرجاء العالم هم ضحايا الرق الحديث!



ورؤية المملكة 2030 كفيلة بحملنا إلى مفاهيم جديدة، وإجراء التغييرات المفيدة لصالح الإنسانية.



[email protected]