مشاهد التاريخ

الخميس - 29 ديسمبر 2016

Thu - 29 Dec 2016

حين نتقلب على جنبات صفحات التاريخ المشبعة بأحداث دسمة من الأمس الدابر والزمان الغابر، يتشكل لدى مخيلتنا الجامحة للفحص والتمحيص أن الأحداث التاريخية جزيئات تراكمية، تحدث كل ما مر عليها زمن، من دون استنباط العبر أو دراسة الحدث التاريخي أيا كانت تبعاته السياسية أو الدينية، ليبعث في نفس قارئ التاريخ أن الدخول في معترك عملية سبر دقيقة للأغوار لزام عليه. مشاهد التاريخ التي تترامى حول نير الحقيقة المطلقة وتجريد العوالق في مظانه التي ربما وقعت جراء ركونه للأقوال ممن سبقوه في البحث، ليتشكل عندئذ مفهوم مجرد منتقى من السائد المتبع في محيطه الخاص.



فالباحث في جزيئات دقيقة في مشهد تاريخي أو ذاك لا بد أن يجعل المعطيات الآتية من القراءة المجردة تنهمر في ذهنه كحبات السنبل، ليعطي مساحة لاستخراج الرأي الخالص حيال المشهد التاريخي، أو عن شخصيات تاريخية كانت تتوهج الساحة في زمانها. فالتموجات الذهنية التي قد تعتري الباحث في مشاهد التاريخ تثير عواطفه المتعددة من قومية أو عقدية، فيضطر في بعض الأحايين أن ينجرف وراء تيار مكنونه الداخلي الذي تبلور من تلقين ممنهج منذ الصغر، فيشعر أن حالة من الضياع تسود حالته الذهنية فيرتمي في حضن مفهوم غيره الذي يسبب الخطأ الأكبر في مسيرته البحثية نحو الحقيقة وهو (التبعية الفكرية)، فيهيم في مراتع الرأي والرأي المضاد له، التي تدور في فلك التحليل المتنوع لمشاهد التاريخ، وهو كمتفرج في المدرج بيد لو استطاع أن يجعل له خطا فكريا يسير به في أروقة صفحات التاريخ، خطا يشق المحظور، أو ما هو سائد في مجتمعه الخاص يستشعر في ملكاته الروحية أنه يمتلك خاصية النظرة للأمور التي تدور في فلكه من زاوية محدقة بشكل عمودي مستقيم للآن.



كثرة مطالعة الأحداث التاريخية بنظرة الباحث وليس القارئ تبني شخصية ناضجة بشكل محسوس لدى المخالطين أو المقربين، فالأحداث التي نشاهدها على المسرح العالمي هي بالأساس عبارة عن نسخة من أحداث العالم القديم، لكن السيناريو مختلف، وأيضا من دقق النظر في أحداث التاريخ سيلحظ تكرارها في مواضع متفرقة من الوقائع بمشارق الأرض ومغاربها، وهناك مقولة شهيرة قد استهلكت من كثرة تردادها كل حين وفترة، وهي «إن التاريخ يعيد نفسه».



خاتمة:

الغاطس في بحر التاريخ عليه أن يقر في نفسه قبل شروعه في الغطس أن بحر التاريخ عبارة عن بحر لجي ليمهد خارطته الذهنية لكل ما يراه في ظلمات هذا البحر.