محمد العوفي

القطاع الخاص والتحولات الاقتصادية

الخميس - 29 ديسمبر 2016

Thu - 29 Dec 2016

برنامج التحول الوطني كشف نية الحكومة فرض رسوم إضافية على العمالة الوافدة، ترتفع تدريجيا عاما بعد آخر وصولا إلى 800 ريال بحلول عام 2020، يضاف إلى ذلك رسوم على مرافقيهم، وتحرير أسعار الطاقة، مما سيضيف أعباء مالية على القطاع الخاص من ناحية، وعلى العمالة الوافدة من ناحية أخرى، وسيصبح تحمل رسوم العمالة الوافدة ومرافقيهم مجال مساومة بين الشركات والعمالة الوافدة، هل القطاع الخاص وحده سيدفعها، أم سيلزم العامل الوافد بسدادها بصورة غير مباشرة باستقطاع ذلك من راتبه الشهري، أم ستكون مناصفة بينهما، علاوة على أنها ستؤدي إلى عزوف كثير من العمالة الوافدة عن العمل في السعودية.



وفي المقابل، يراهن برنامج التحول الوطني 2020 على دور أكبر للقطاع الخاص في إنجاح الرؤية الأشمل 2030، ويعمل على دعمه ومساندته من خلال وضع برامج تحفز على تطوير أساليب التشغيل والإدارة، واستيعاب ارتفاع أسعار الطاقة، وتعمل على ضمان سداد مستحقاته خلال 60 يوما من اكتمال المستندات اللازمة للصرف، وضخ مزيد من الإنفاق الرأسمالي لتعزيز النمو ومعالجة بعض الآثار السلبية التي مر بها القطاع الخاص خلال عام 2016، بهدف منحه الأولوية ليكون رائد الحركة التنموية الاقتصادية، وقادرا على تحمل عبء التنفيذ والتشغيل مستقبلا لترتفع مساهمته في الناتج المحلي من 40% إلى 65% بحلول عام 2030.



هذه المعادلة تنطلق من تكاملية العلاقة بين القطاعين العام والقطاع الخاص تهدف لزيادة مساهمة القطاع الخاص في تفعيل وإنجاح السياسات الحكومية الاقتصادية، بما يعادل مدى استفادته ماليا واقتصاديا من هذه السياسيات، كما أنها تعني أن الحكومة تراهن على القطاع الخاص كشريك أساسي، ومساهم كبير في النمو الاقتصادي في المستقبل.



لكن ذلك الطموح الحكومي الكبير لن يحدث ما لم يكن القطاع الخاص قادرا على استيعاب التغيرات المستقبلية، وقراءتها من زاوية مختلفة تمكنه من تجاوز التحديات الآنية والمستقبلية التي تنتج عن هذه التحولات الاقتصادية. ولا سيما أن التغيرات التي كشف الستار عنها تنطوي على تغيرات جذرية، الرفع التدريجي لدعم أسعار الطاقة، وارتفاع تكاليف الأيدي العاملة، سيؤديان حتما إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل، بما قد يخلق ضغطا ماليا إضافيا على القطاع الخاص خلال الأعوام المقبلة، حتى يستوعب القطاع الخاص هذه التغيرات التي يتطلب تجاوزها مرونة وديناميكية عاليتين للتكيف مع التغيرات المستقبلية التي سيفرضها برنامج التحول الوطني «2020».



وهذا المرونة تعني تحول القطاع الخاص كليا بمختلف منشآته الكبيرة والمتوسطة والصغيرة من النمط التقليدي إلى نمط إداري أكثر حداثة، يركز على الجودة في كل مراحل الإنتاج والتشغيل، ويركز على القيمة المضافة التي يخلقها حتى يكون القطاع شريكا أساسيا يساهم بشكل حقيقي في الناتج المحلي، وهذه المرونة هي البوابة الأولى للبقاء في خضم هذه التحولات التي يمر بها الاقتصاد، والاستفادة من الفرص الاستثمارية الجديدة والضخمة التي ستخلقها هذه الإصلاحات الهيكلية.



ومن الطبيعي جدا أن يصاحب أي عملية تحول اقتصادي كبرى - كرؤية السعودية «2030» - خروج منشآت اقتصادية من السوق السعودية نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع التحديات التي يفرضها هذا التحول، إما لجمودها أو لترهلها أو لعدم قدرتها على قراءة المستقبل بشكل صحيح، وفي المقابل، ستدخل شركات جديدة إلى السوق لاقتناص الفرص الاستثمارية التي ستنشأ تبعا لعملية التحول والإصلاح الهيكلي للاقتصاد، كما أن هناك شركات قائمة ستتوسع وستنمو بشكل كبير لأنها تمكنت من تطوير أساليب عملها، وأصبحت أكثر تكيفا وقدرة على تحمل عبء التنفيذ والتشغيل.

النقطة الأهم أن القطاع الخاص يمر في مفترق طرق، وعليه أن يختار بين البقاء والنمو والاستمرار، أو الانسحاب من السوق، ومن يحدد ذلك هو القطاع الخاص وحده، ومدى قدرته على استيعاب هذه التحولات والتعامل معها.



[email protected]