محمد العوفي

التوازن المالي وديناميكية الاقتصاد

الاثنين - 26 ديسمبر 2016

Mon - 26 Dec 2016

«رب ضارة نافعة» هذه المقولة تنطبق بكل ما تعنيه من معنى على وضعنا الاقتصادي، فالتحديات المالية والاقتصادية التي خلقها تراجع أسعار النفط أنتجت حراكا اقتصاديا متسارعا لتلافي هذه التحديات وما ستجلبه من أزمات في المستقبل المنظور، والعمل على عدم تكرار حدوثها في المدى البعيد، ليظهر بوضوح نتاج هذا الحراك فيما أعلن الخميس الماضي في الميزانية العامة للدولة من برامج لضبط الإنفاق وتحقيق كفاءته، وإجراء إصلاحات مالية واقتصادية، وخطط لاستشراف المستقبل وقراءته في سيناريوهات مالية متفائلة ومتحفظة، ووضع التدابير اللازمة لمواجهة كل الاحتمالات، هذه البرامج والسيناريوهات ما كان لها أن تكون لو استمرت أسعار النفط عند مستوياتها العالية.



الأرقام المعلنة والسيناريوهات المالية المتعلقة بتحقيق التوازن المالي رفعت سقف الشفافية إلى مستويات غير معهودة، وأجابت على كثير من الأسئلة التي تدور في أذهان المواطنين بمختلف فئاتهم ومستوياتهم حول معيشتهم واقتصادهم، وأبرز ما أجابت عنه هذه السيناريوهات: أين سنكون بعد أربع سنوات من الآن (نهاية العام 2020)؟ وكيف يمكن الوصول إلى هذه الأرقام؟ مما أزال كثيرا من الخوف والقلق واللبس والغموض حول المستقبل الاقتصادي، كما أنها ألمحت إلى تبني فكرة التحول من النمط التقليدي للميزانيات (ميزانية البنود) إلى ميزانية البرامج، لأنها ربطت بتحقيق المرحلة الأولى من رؤية السعودية 2030، والتي بدأت من العام الماضي خطة التحول الوطني 2020.



ما أعلن عنه من برامج لتحقيق التوازن المالي من خلال تعزيز استدامة الإيرادات الحكومية، وتحسين كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي، ورفع الدعم الحكومي، وتحويله إلى دعم مالي مباشر وموجه، يعد نقطة التحول في المالية العامة والاقتصاد السعودي بشكل عام، وشرارة الإصلاح الجاد لما قدمته من مرتكزات أساسية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال مواكبة خطة التحول الوطني 2020، وتفعيل رؤية السعودية 2030.



المبادرات والإصلاحات التي كشف الستار عنها الخميس الماضي نتفق جمعيا على مدى صعوبتها وحساسية بعض جوانبها، لأنها تتطلب إجراءات اقتصادية وتنظيمية، تتعلق بالرفع التدريجي للدعم الحكومي عن كثير من السلع والخدمات لضبط الإنفاق العام، وهي بلا شك إجراءات مؤلمة بعض الشيء، ولا سيما أنها تأتي بعد عقود طويلة من الدعم المستمر لهذه السلع، لكن الحكومة لم تغفل هذا الجانب، بل تنبهت إليه، وعملت على تلافيه من خلال تطبيق مبدأ «حساب المواطن»، الذي يستهدف توجيه الدعم الحكومي إلى المستحق مباشرة.



هذه المبادرات والإصلاحات - رغم صعوبتها – تدابير اقتصادية لا بد منها، ولا يمكن التأخر في تنفيذها، ليس لتجاوز الأزمة الاقتصادية فحسب؛ بل لمعالجة فشل خطط التنمية السابقة في تنويع مصادر الدخل، وإخراج الاقتصاد من قبضة أسعار النفط، وتفادي الآثار المستقبلية التي يمكن أن تنتج عنها في حال الاستمرار في النهج القديم، ولا سيما أن المعطيات الاقتصادية والمالية للاستمرار في النهج القديم لم تعد صالحة للزمن الحاضر، وأن القراءات المستقبلية تنذر بصعوبات اقتصادية متوقعة، وأن الحل يكمن فقط في تصحيح المسار، ومعالجة التشوهات لضمان مستقبل الأجيال القادمة.



المضي قدما في هذه الإصلاحات لتفادي تقلبات إيرادات الحكومة سيستغرق نحو 15 عاما حتى تكتمل، وهي ليست طويلة في عمر الدول، بعدها سيكون الاقتصاد، وفقا للتصورات والسيناريوهات الموضوعة، أكثر ديناميكية، وسيكون المستقبل الاقتصادي أكثر وضوحا إذا ما تم إعداد سيناريوهات مماثلة لخطط النمو الاقتصادي المستهدف، تتضمن كل التفاصيل حول مشاركة كل قطاع في النمو الاقتصادي، وكيف يمكن أن يحدث هذا لضمان وضع المبادرات في مسارها الصحيح، وكيف يمكن تعزيزه هذا النمو، والمحافظة عليه بعد اكتمال رؤية السعودية 2030، وسيناريوهات أخرى لمعالجة نسب البطالة، تبين مقدار التوظيف المستهدف سنويا، والخفض المتوقع في نسبة البطالة سنويا.



[email protected]