هل يمثلون أنفسهم فحسب؟

الأربعاء - 21 ديسمبر 2016

Wed - 21 Dec 2016

بعد الثورة الرقمية الهائلة التي فجرها عصر التكنولوجيا أصبحت سهولة نقل المعلومات من عالم إلى عالم آخر كشربة الماء إن لم تكن أكثر سلاسة وأقل جهدا، فحينما تنتشر مقولة لواعظ محرضاتي عبر الانترنت ويكون لها صدى واسع في الإعلام الغربي، فإنه لن يلقى اللوم والملامة على هذا المحرضاتي أو ذاك، بل ستكون الدولة أو الثقافة هي المتمثلة والكفيلة بهذا السلوك الأرعن.



يؤكد الباحث بالشؤون الأمريكية د. أحمد الفراج الذي حل ضيفا في برنامج «حديث العمر» أن الفتوى الشاطحة والمتشددة التي تصدر من القضاة والدعاة المتشددين، عندما تنتقل بانتشار واسع في وسائل الإعلام الغربية تلتقطها مراكز الدراسات والبحوث فيتم كتابتها، وبالتالي يقرؤها صناع القرار لديهم، وكما كان ينوه، أنه من المحتمل أن يكون التصويت لمشروع قانون جاستا ضد المملكة، سببه عدم مواجهة هؤلاء المتشددين وقمع خطابهم.



«المتطرفون»، هل يمثلون أنفسهم فحسب؟

يرى باحثنا أن لدينا مشكلة في مسألة الأمن الفكري، فالوعاظ المتطرفون لا يمثلون أنفسهم فحسب، بل يمثلون الخطاب الديني في المملكة. وهذا التصريح جاء متسقا تماما مع الواقع الإعلامي في ظل الانتشار المعلوماتي الواسع بالإعلام الجديد، فالإعلام هنا لا لوم عليه لأن الإعلامي البارع في أي مكان كان لا يمكن أن يفوت اقتناص الإثارة والجدل، خاصة إذا كان هناك تحريض صريح يشكل خطرا يعلن الحرب على بلاده كمقطع الفيديو الذي انتشر لداعية شهير يقول: ما تجرأت اليوم دول الكفر سواء من أمريكا وحلفائها على قتال المسلمين واغتصاب نسائهم وترميلهن، ما تجرؤوا على ذلك، إلا لما رأوا المسلمين أصلا لم يفكروا أن (يفتحوا بلدانهم) ولا أن يقاتلوهم! ثم يواصل قائلا: الآيات الواردة في قتال الكفار وفتح بلدانهم، فإنه إما أن يدخلوا في الإسلام، وإما أن يدفعوا الجزية، وإما أن يقاتلوا.



إن انتشار مثل هذه التصورات، ستكون بطبيعة الحال طعما على طبق من ذهب للإعلامي المحترف، وبالتالي ستكون بالضرورة على طاولة الدراسات والبحوث كما ذكرنا آنفا. إن بعض رموز جماعات الإسلام السياسي يدركون تماما حجم العلاقات الاستراتيجية بين البلدان، ولكنهم وبتقصد واضح تجدهم وبكل ما أوتوا من قوة يسعون لهدمها والفجور في الخصومات، ليتسنى لهم تحقيق أهدافهم المعروفة للوصول إلى السلطة، كما أنهم من حيث يعلمون أو يجهلون، تجد تصوراتهم وتعسفاتهم المسيسة بالدين الإسلامي الحنيف تشوه الخطاب الديني وتحجب جوهره السمح مع المختلفين، فجوهر الدين ومقاصده في التعايش مع المختلفين له أدلة كثيرة، وفي مواضع متعددة كقوله تعالى «لكم دينكم ولي دين»، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، «لا إكراه في الدين».



يقول باحثنا د. أحمد الفراج: المملكة على المستوى الرسمي ليس لأمريكا معها مشكلة، أمريكا مشكلتها مع التشدد. إذن، لم يتطاول المتشددون بالصراخ لرسم ملامح العداء مع حلفائنا؟ ولماذا لا يقمع القانون خطابهم المعلن في المنابر أمام الجمع والمارة؟ ومتى تسن قوانين تحد من تعسفاتهم المسيئة للبلاد والعباد؟ ومتى تتوحد مضامين الخطب بالمناسبات الدينية تحت إشراف وزارة شؤون إسلامية ومسؤولين سياسيين، لتكون مقننة منقحة بالجودة وسلامة الألفاظ والأفكار؟ أعتقد أنه آن الأوان، لمعالجة المواقف المحرجة لبلادنا، فالمنطقة تواجهها تحديات من كل صوب وحدب، وليكن شعارنا دوما وأبدا: وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.