إلى متى .. الموارد التعليمية في مكب النفايات؟
الاثنين - 21 نوفمبر 2016
Mon - 21 Nov 2016
نشرت صحيفة مكة يوم الأحد 6/2/1438 في صفحتها الأولى صورة بعنوان (مدفن المال العام)، وكتب التعليق «طاولات دراسية وكراسي وسبورات وحاويات من الكتب في إحدى الأراضي الخلفية لمستودعات الرجيع بإدارة تعليم مكة المكرمة، وهي تحت أشعة الشمس من غير حراسة، مع وجود أثاث مهمل وهو صالح للاستخدام». كما انتشر مقطع فيديو في مواقع التواصل في ذات السياق.
وحقيقة مهما كانت التبريرات التي ظهرت في بعض الصحف على لسان الناطق الإعلامي للتعليم بمكة «وأنها الرجيع من المدارس لفرزها وأخذ الصالح منها»! كما أضاف «أنه يتم التخلص من التالف في مزاد علني»، وطبعا أي مزاد على تلك الأكوام سيكون بثمن بخس دراهم معدودة!
حقيقة الصورة تجسد هدرا ماليا ربما في كل إدارات التعليم وفي كافة المناطق، وتستحق منا التوقف برهة ومراجعة ومحاسبة ذلك الهدر، فالدولة تصرف المليارات على ميزانيات التعليم والتدريب، وقد كانت أعلى ميزانية للتعليم عام 2015، حيث بلغت 217 مليار ريال، وهذا العام 2016 ، وبالرغم من الظروف الاقتصادية أصبحت 191.65 مليار ريال، حيث اقتطع ما يزيد عن 22.8 % من إجمالي الإنفاق للموازنة العامة للدولة.
وشدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها عند إعلان ميزانية الدولة على «أهمية وعي المسؤول والمواطن في استخدام الموارد والحد من الهدر..»، كما وجه، حفظه الله «بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها بما يحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين».
الحقيقة لا بد من وقفة صادقة مع النفس ومحاسبة أنفسنا كأفراد ومسؤولين عن الترشيد في استخدام الموارد التعليمية المتاحة، فهذه الصورة المؤلمة ما هي إلا نموذج للهدر التربوي التعليمي، وهناك أدلة كثيرة أوردها في مقالي هنا، علنا نستيقظ من غفلتنا في استخدام أسلوب الترشيد: فالكتب الدراسية التي تكلف الدولة الملايين يتم تمزيقها ورميها في الحاويات! مع أنني ما زلت أتذكر في زمن القيم والاتزان، وفى بداية دخولنا المدارس كانت المدرسة لا تسلم الشهادة للطالبة إلا بعد تسليمها كتب العام السابق. وكنا نتنافس على تجليد الكتب والمحافظة عليها، بحيث يمكن استخدامها في العام التالي لطلاب أو طالبات آخرين.. خاصة أن بعض المقررات الدراسية قد تبقى عدة سنوات دون تغير.
وبذلك غرست فينا قيم حب الكتاب واحترامه، والتي افتقدها طلاب وطالبات الطفرات الاقتصادية!
كما أن الهدر الآخر الذي لامسته كمشرفة تربوية لمادة اللغة الإنجليزية لسنوات هو في تعدد المقررات الدراسية الجديدة على الشركات - ولنفس الصف الدراسي - وكل شركة تحصل على الملايين للطباعة - طبعا وتلعب الوساطات دورها في إسناد المناقصة لشركة معينة صاحبها قريب لمسؤول كبير في الوزارة.. والمشكلة أن تلك المقررات لا تتناسب مع الزمن المخصص لتدريس المنهج وهو 4 حصص أسبوعية بواقع 45 دقيقة، مما يجعل المعلمة تحدد أجزاء من المقرر لا تزيد عن 40% من المقرر وتشمل (كتاب الطالبة، والنشاط، والمعلمة) والباقي يضيع سدى!! فضلا عن إصدار السيديهات التي توزع على الطالبات ونادرا ما تستخدم لأسباب كثيرة.. وهذا يدل على عدم المواءمة بين المحتوى والخطة الدراسية!
وأما الهدر في الأثاث، فلم تكن صورة (مدفن المال العام) إلا نموذجا مصغرا من وضع أكثر خطورة للهدر، وهو تغير مكاتب المسؤولين في أعلى الهرم الإداري في القسمين الرجالي والنسائي، وبل وتغيرات جذرية في الديكورات والمكاتب والستائر والأرضيات!
هذا فضلا عن الهدر التعليمي الذي يحدث كل عام من استخدام خامات ووسائل تعليمية تقوم المعلمة بعملها ثم لا تلبث أن تأتي الاختبارات ويصبح مصيرها حاويات النفايات؛ لتنظيف الفصول من الوسائل، مع أنه يمكن الاستغناء عنها بالعروض الضوئية لو توفرت للمعلمة البيئة التعليمية المناسبة، كما أنه لا يوجد مكان لحفظ تلك الوسائل لإعادة استخدامها في العام المقبل.
بل ما زلت أتذكر أنه في إحدى المدارس التي حولت إلى (مدارس تطوير) وتم تغيير الكمبيوترات إلى شبكة حديثة، ألقيت الكمبيوترات القديمة في فناء المدرسة لأكثر من أسبوعين تئن تحت وطأة الشمس ولفح الرياح والأتربة!
إن رؤية المملكة 2030 وخطة التحول الوطني 2020 تتطلبان التوجه نحو ترشيد النفقات العامة وتحسين كفاءة الأداء من الجهات الحكومية، والتوجه نحو الاستثمار، وإيجاد بدائل لدعم الاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب إعادة النظر في مكب النفايات التعليمية، وإعادة تدويرها بإنشاء مصانع ملحقة بإدارات التعليم لإعادة تدوير هذه الكنوز، وتوفير تنمية مستدامة ووظائف للعاطلين عن العمل، فضلا عن توفير موارد تنفق منها الإدارات على نفقاتها التشغيلية ومنها الصيانة، ونوفر بذلك الملايين لخزينة الدولة، فقط بقليل من الوعي والترشيد وكثير من الإخلاص والنزاهة.
جزى الله والدتي خير الجزاء التي كانت تجمع ما تبقى من أوراق كراساتي القديمة لتجعل منها دفترا جديدا للعام التالي فعلمتني معنى «أن تحفظ الله يحفظك».. ودرسا في المحافظة على النعم وأنها تدوم بالشكر وتزول بالكفر بها.
وحقيقة مهما كانت التبريرات التي ظهرت في بعض الصحف على لسان الناطق الإعلامي للتعليم بمكة «وأنها الرجيع من المدارس لفرزها وأخذ الصالح منها»! كما أضاف «أنه يتم التخلص من التالف في مزاد علني»، وطبعا أي مزاد على تلك الأكوام سيكون بثمن بخس دراهم معدودة!
حقيقة الصورة تجسد هدرا ماليا ربما في كل إدارات التعليم وفي كافة المناطق، وتستحق منا التوقف برهة ومراجعة ومحاسبة ذلك الهدر، فالدولة تصرف المليارات على ميزانيات التعليم والتدريب، وقد كانت أعلى ميزانية للتعليم عام 2015، حيث بلغت 217 مليار ريال، وهذا العام 2016 ، وبالرغم من الظروف الاقتصادية أصبحت 191.65 مليار ريال، حيث اقتطع ما يزيد عن 22.8 % من إجمالي الإنفاق للموازنة العامة للدولة.
وشدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها عند إعلان ميزانية الدولة على «أهمية وعي المسؤول والمواطن في استخدام الموارد والحد من الهدر..»، كما وجه، حفظه الله «بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها بما يحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين».
الحقيقة لا بد من وقفة صادقة مع النفس ومحاسبة أنفسنا كأفراد ومسؤولين عن الترشيد في استخدام الموارد التعليمية المتاحة، فهذه الصورة المؤلمة ما هي إلا نموذج للهدر التربوي التعليمي، وهناك أدلة كثيرة أوردها في مقالي هنا، علنا نستيقظ من غفلتنا في استخدام أسلوب الترشيد: فالكتب الدراسية التي تكلف الدولة الملايين يتم تمزيقها ورميها في الحاويات! مع أنني ما زلت أتذكر في زمن القيم والاتزان، وفى بداية دخولنا المدارس كانت المدرسة لا تسلم الشهادة للطالبة إلا بعد تسليمها كتب العام السابق. وكنا نتنافس على تجليد الكتب والمحافظة عليها، بحيث يمكن استخدامها في العام التالي لطلاب أو طالبات آخرين.. خاصة أن بعض المقررات الدراسية قد تبقى عدة سنوات دون تغير.
وبذلك غرست فينا قيم حب الكتاب واحترامه، والتي افتقدها طلاب وطالبات الطفرات الاقتصادية!
كما أن الهدر الآخر الذي لامسته كمشرفة تربوية لمادة اللغة الإنجليزية لسنوات هو في تعدد المقررات الدراسية الجديدة على الشركات - ولنفس الصف الدراسي - وكل شركة تحصل على الملايين للطباعة - طبعا وتلعب الوساطات دورها في إسناد المناقصة لشركة معينة صاحبها قريب لمسؤول كبير في الوزارة.. والمشكلة أن تلك المقررات لا تتناسب مع الزمن المخصص لتدريس المنهج وهو 4 حصص أسبوعية بواقع 45 دقيقة، مما يجعل المعلمة تحدد أجزاء من المقرر لا تزيد عن 40% من المقرر وتشمل (كتاب الطالبة، والنشاط، والمعلمة) والباقي يضيع سدى!! فضلا عن إصدار السيديهات التي توزع على الطالبات ونادرا ما تستخدم لأسباب كثيرة.. وهذا يدل على عدم المواءمة بين المحتوى والخطة الدراسية!
وأما الهدر في الأثاث، فلم تكن صورة (مدفن المال العام) إلا نموذجا مصغرا من وضع أكثر خطورة للهدر، وهو تغير مكاتب المسؤولين في أعلى الهرم الإداري في القسمين الرجالي والنسائي، وبل وتغيرات جذرية في الديكورات والمكاتب والستائر والأرضيات!
هذا فضلا عن الهدر التعليمي الذي يحدث كل عام من استخدام خامات ووسائل تعليمية تقوم المعلمة بعملها ثم لا تلبث أن تأتي الاختبارات ويصبح مصيرها حاويات النفايات؛ لتنظيف الفصول من الوسائل، مع أنه يمكن الاستغناء عنها بالعروض الضوئية لو توفرت للمعلمة البيئة التعليمية المناسبة، كما أنه لا يوجد مكان لحفظ تلك الوسائل لإعادة استخدامها في العام المقبل.
بل ما زلت أتذكر أنه في إحدى المدارس التي حولت إلى (مدارس تطوير) وتم تغيير الكمبيوترات إلى شبكة حديثة، ألقيت الكمبيوترات القديمة في فناء المدرسة لأكثر من أسبوعين تئن تحت وطأة الشمس ولفح الرياح والأتربة!
إن رؤية المملكة 2030 وخطة التحول الوطني 2020 تتطلبان التوجه نحو ترشيد النفقات العامة وتحسين كفاءة الأداء من الجهات الحكومية، والتوجه نحو الاستثمار، وإيجاد بدائل لدعم الاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب إعادة النظر في مكب النفايات التعليمية، وإعادة تدويرها بإنشاء مصانع ملحقة بإدارات التعليم لإعادة تدوير هذه الكنوز، وتوفير تنمية مستدامة ووظائف للعاطلين عن العمل، فضلا عن توفير موارد تنفق منها الإدارات على نفقاتها التشغيلية ومنها الصيانة، ونوفر بذلك الملايين لخزينة الدولة، فقط بقليل من الوعي والترشيد وكثير من الإخلاص والنزاهة.
جزى الله والدتي خير الجزاء التي كانت تجمع ما تبقى من أوراق كراساتي القديمة لتجعل منها دفترا جديدا للعام التالي فعلمتني معنى «أن تحفظ الله يحفظك».. ودرسا في المحافظة على النعم وأنها تدوم بالشكر وتزول بالكفر بها.