محمد أحمد بابا

من غير تشكيل!

الاحد - 13 نوفمبر 2016

Sun - 13 Nov 2016

عوقبت كثيرا على إصلاح نطقي للحروف الأبجدية صغيرا حتى كانت بالنسبة لي آنذاك هوسا دائما عندما أبدأ في قراءة أي نص أمام من أوكل إليه أمر تعليمي وتدريبي على القراءة والكتابة، وكان الحال نفسه في الإمساك بالقلم والخط لدرجة أن تشكيل الحروف بالفتحة والضمة والشدة كان من صلب العملية التدريبية بل من أساس التعويد والمران.



وهذا الحال يبدو أنه ناسب ذلك الزمن وتلك المرحلة العمرية التي يحرص فيها معلمونا على إعطائنا الأساسيات خالية من أي تغيير أو تجاوزات يعتبرونها بالنسبة لنا في هذا السن الصغيرة مدعاة للتهاون في أمور وقواعد إملائية كبيرة مستقبلا إن هم تجاوزوا عن نسياننا لفتحتين أو شدة مع كسرة في أي من الحروف.



لكن من غرس في عقلي وأصابع يدي هذه العادة الكتابية لم يدر بأنها سوف تصاحبني في عمر مديد ومستقبل مستمر حتى أصبحت قيدا يصعب علي الانعتاق منه إلا إذا كنت حاضر البديهة منتبه الأعصاب قاصدا ومتعمدا أن أبدي براعة جديدة في الثورة ضد التشكيل الذي أزعجني التصاقه بي .



يدور في بالي وأنا أسرع الخطى في كتابة أي نص أو مقال أو حتى اسمي أو عنواني أن القارئ الكريم لن يتبين مقصدي إلا إن ساعدته بوضع تلك الإشارات الفسفورية من تشكيل وهمزات وسكنات على حروفي العتيقة ـ مع يقيني بأنني مبالغ ـ لكن الخوف الذي تعودت عليه من اثنين: معلمي أولا، وأن يفهمني القارئ بشكل غير الذي أعنيه ثانيا، هو ما جعلني أسير بجانب الأسلم والأحوط حتى بدا الأمر بالنسبة لي شديد التعقيد ويشعرني بضيق المساحات أمام عيني.



تجول أفكاري دوما في الأفعال والتفريق بينها من ماض ومضارع وأمر ومبني للمجهول وآخر للمعلوم وأخشى أن تختلط الأمور على من يقرأ خاصة بين الكلمات التي تتشابه في الحروف ولا يميزها عن غيرها سوى الحركات، وتتراءى أمام ناظري حروف الجر والاستفهام والنصب والجزم ووحدتها في الرسم مع اختلافها في النطق والعمل، وتستحكم من ذاكرتي الضمائر والأسماء الموصولة واختلاطها وشيء كثير من هذا القبيل، لكنني لم أنتبه إلى أن نسق الكتابة والسياق والتفكير في المعنى أدعى للتمييز من حركاتي القديمة وتشكيلي المتزاحم في ثنايا كتاباتي.



كما أن مشكلة همزتي الوصل والقطع التي أرقتني كثيرا في إملاء كان من أهم ما تعلمناه في المدارس والمساجد سببت لي عائقا كبيرا في الانسجام مع أفكاري أحيانا، نظرا لما أوليها من حذر وحرص وكأنها ألغام موقوتة ستنفجر في أي وقت وأقع في محظور لن أسامح قلمي عليه ما حييت.



وأخيرا تعرفت على سبب قد يكون له دور كبير في معاناة تشكيلية تلازمني وهو أن جنوحي دوما لمصطلحات يبست على لساني دهرا طويلا نتيجة طبيعة تعليمية أو هوايات معينة هو ما أقعدني عن اللحاق بالركب في الانفكاك من سجن الحركات وتتبع الهمزات وضيق الشدات، فلو استطعت أن أبتغي طريقا سهلا لإيصال الفكرة بأقل قدر من الكلمات السهلة المستساغة المعهودة لدى أغلب من يقرأ لسنحت لي تلك الفرصة أن أبدو أكثر نضارة دون (مكياج) التشكيل.



اشتكى مني كل من له مهمة استقبال مقالاتي وثرثرتي أنني أتعبهم في إزاحة غبار تشكيلي حتى يخرجوا عملهم بالشكل اللائق المقبول، وفي كل مرة أتعهد لهم بالإمساك عن التشكيل وأفشل، رغم كتابتي على لوحة مفاتيح أو حروف هاتف ذكي، وقال لي أحدهم بأن معرفتي لمكان حركات التشكيل في أي جهاز تفوق معرفتي باختصارات الأوامر، وبلغ بي الأمر تشكيل الكلام العامي لأقول لابنتي في رسالة جوال (طيّب) واضعا الشدة على الياء.

لكن يبدو بأن عالم الكتابة من غير تشكيل أجمل، كما هي الحياة من غير نفاق، فلعلي في هذا المقال نجحت!



[email protected]