فوضى الدورات التدريبية

الجمعة - 11 نوفمبر 2016

Fri - 11 Nov 2016

يعاني سوق الدورات التدريبية من فوضى هائلة تتسم بعدم وجود الرقابة على الدورات وورش العمل، ضعف المحتوى المطروح مقابل المبالغة في الأسعار، ضبابية المؤهلات أو نقصها بالنسبة للمدربين وغيرها من الإشكالات التي بحق تحتاج إلى عدة مقالات لوصفها بشكل إجمالي فقط، لأن الوصف التحقيقي الدقيق يحتاج إلى دراسات ميدانية كاشفة يقوم بها باحثون حقيقيون دافعهم التوعية والتحسين والتطوير وسلاحهم البحث العلمي وأدواته.



بحكم تخصصي التربوي أجد أنه من الأولى أن أبقي نقاشي لهذه المسألة في الدورات المقدمة في هذا المجال.



لو أخذنا على سبيل المثال الدورات المقدمة لمعلمي ومعلمات وآباء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لوجدنا أن محتوى أغلب هذه الدورات قائم في أغلبه على الخبرات الشخصية للمدرب والذي في الغالب يكون معلما أو معلمة لأطفال هذه الفئة. إشكاليتي ليس في هوية المدرب أو المدربة «مع تحفظي على هذا المسمى الذي يستخدم أحيانا كوسيلة للتسويق» وإنما في كون المحتوى المقدم في هذه الدورة غير مستمد وغير قائم على البحوث والدراسات العلمية.



الإشكالية هنا أن المدرب أو المدربة يقوم باعتماد ممارساته التعليمية التي حصلها وطورها خلال مسيرته التعليمية كمادة أساسية ووحيدة للدورة أو ورشة العمل. غنيٌ عن القول أن بعض هذه الممارسات ربما تكون مخالفة لنتائج البحوث والدراسات المتخصصة ومع ذلك تعرض على أنها الحل السحري والوسيلة المثالية.



وحتى تكون الصورة واضحة لنأخذ المثال التالي، دورة - أو فلنقل عدة دورات - تعطى في آليات تشخيص الأطفال ذوي صعوبات التعلم والتي هي في حقيقتها عبارة عن اختبارات صفية لمهارات القراءة أو الرياضيات أو الحساب، ويتم الاحتكام إليها بشكل أساسي في تحديد كون الطفل لديه صعوبة تعلم من عدمها، هذه الاختبارات - ولعلي أناقشها في مقالة مستقلة - هي اختبارات غير مقننة وغير موثوقة ومن الظلم استخدامها في تصنيف الطفل كونه من ذوي صعوبات التعلم. للأسف يتم التعامل مع هذه الاختبارات السقيمة بثقة وتستخدم كوسيلة أساسية للتشخيص.



علميا يتم تشخيص الطفل بصعوبة التعلم باستخدام نموذج التباين والذي ينص على جود عجز واضح وبمقدار إحصائي محدد بين قدرات الطفل العقلية والتي يتم تشخيصها باستخدام اختبارات الذكاء المقننة وبين أدائه التعليمي.



ومن اللطيف الإشارة هنا إلى أن هذا النموذج في طور الاستبدال بنموذج جديد يعالج إشكالات النموذج السابق ويسمى نموذج الاستجابة للتدخل. طبعا قد يشير البعض إلى أن هناك نقصا وضعفا في توفير الأدوات اللازمة للقيام بالتشخيص بطريقة صحيحة، لذلك فكما يقولون الجود من الموجود.



سأقبل بهذا الطرح على مضض ولكن يبقى التساؤل والاستفهام حول أولئك المعلمين (المدربين) الذين يقومون بإعطاء الدورات حول استخدام هذه الأدوات السقيمة وبرسوم مادية مرتفعة جدا، للأسف بدلا من بذل الجهود لتغيير هذه الاختبارات وإحلال أدوات التشخيص الدقيقة محلها، أرى الجهود تبذل لترسيخ استخدام هذه الاختبارات المعيبة والظالمة وهي جهود غير مجانية بالطبع!