خطّان واجبان على الفلسطينيين

يتوجب على الفلسطينيين الآن، العمل على خطين متلازميْن، لا يُجدي أحدهما بدون الآخر. تكريس وحدة حقيقية للكيانية السياسية، يُصار فيها إلى

يتوجب على الفلسطينيين الآن، العمل على خطين متلازميْن، لا يُجدي أحدهما بدون الآخر. تكريس وحدة حقيقية للكيانية السياسية، يُصار فيها إلى

الأحد - 17 أغسطس 2014

Sun - 17 Aug 2014



يتوجب على الفلسطينيين الآن، العمل على خطين متلازميْن، لا يُجدي أحدهما بدون الآخر. تكريس وحدة حقيقية للكيانية السياسية، يُصار فيها إلى إعادة الاعتبار للمؤسسات، وتوحيد الخطاب السياسي المنطلق من استراتيجية عمل واحدة، وهذا هو الخط السياسي الوطني. أما الخط الثاني، وهو القانوني، فهو العمل المثابر لدى المنابر القضائية الدولية؛ على ملاحقة مجرمي الحرب، وتثبيت وضعية التأثيم الذي لا يمحوه الزمن، ويطال من أصدر ونفذ أمراً، بقصف منازل وبقتل أبرياء. فمثلما ظلت الصهيونية لعشرات السنين، تلاحق الألمان الذين لم يفعلوا ذلك من غير النازيين، فالأجدر أن يُلاحق المجرمون الذين فعلوا ذلك في فلسطين. ولا ينبغي أن يكون انسداد العملية السلمية، سبباً في انسداد أفق العدالة. ولدى القضية الفلسطينية من الأصدقاء في العالم، ما يساعد على تعزيز هذا الجهد لإنجاحه.

أما وجوب تحقيق الوحدة الفلسطينية، على حساب التمظهر الفصائلي، فهو شرط تلبية كل المطالب الفلسطينية المتعلقة بمصاعب الحياة. وربما يكون درس مفاوضات الهدنة، في ضاحية كوبري القبة في القاهرة، أكثر من كافٍ لكي يقنع الراغبين في استمرار الخصومة، في أي مكان في فلسطين، أن كل الأمور تتعطل، وتحل المخاطر بدلاً منها، إن ظل الفلسطينيون يقابلون استراتيجية المحتلين الواحدة، باستراتيجيتين أو بمنهجين. وكان واضحاً، خلال السنوات السبع الماضية، أن المحتلين الإسرائيليين، اعتمدوا خطة لضرب قدرة الفلسطينيين على المضي في خط التسوية، وكذلك قدرتهم على المضي في خط المقاومة. هم يريدون احتلالاً واستيطاناً وكفى، بلا سياسة

وبلا مقاومة. وبات معروفاً أنهم يحاولون جرّ الفلسطينيين إلى مربع الحرب، لأن هذا هو الذي يناسبهم، كقوة مدججة بالسلاح الأحدث والأكثر فتكاً. ففي هذا المربع يألم الفلسطينيون ويخسرون ويُقتلون ويُجرحون وتُهدّم منازلهم ومرافقهم، وتحل بهم المآسي، ثم ينحو المعتدون باللائمة على الضحايا في أوساط نفوذهم حيثما كانت. أما عندما يظل الفلسطينيون يكابدون لكي يجروا عدوهم إلى مربع السياسة، فإنهم سيصبحون الأقوياء في هذه الدائرة، بقرارات الشرعية الدولية، وبمنطق التاريخ وحقائقه، وبمنطوق المواثيق الإنسانية والأخلاقية، وبالأصدقاء الكُثر الذين يشكلون الأغلبية العظمى في العالم. عندئذٍ يكون الطرف الإسرائيلي مأزوماً مذموماً يفتش له عن ثغرة لفتح النيران وإشعال الحرب. لذا يصبح لزاماً على الطرف الفلسطيني البدء حالاً في عملية بناء موقف سياسي وطني توافقي، ضاغط دولياً وإقليمياً، يبدأ من شجاعة الأخذ بخيار الحذر والعقلانية في الخطاب التعبوي وانتقاء الخيارات بمسؤولية عالية، مع التأكيد على بسالة المقاومين، وعلى ثقافة المقاومة من حيث كونها حقاً من حيث المبدأ، لكنها عملية لا تنفصل عن السلوك الوطني في الداخل، فالعدو يعرف البئر وغطاءه، ويخطئ من يزعم أن إسرائيل فوجئت بشيء. فلو راجعنا تصريحات قادتها العسكريين، خلال الأشهر الأخيرة، لوجدنا أن تقديراتهم المعلنة لقدرة حماس النارية، كانت تزيد عن الواقع المعلوم. وعلى هذا الأساس هاجموا بشراسة وإجرام. يخطئ أيضاً من يظن أن بمقدورنا أن نحقق توازناً عسكرياً -وتوازن رعب، تالياً- مع المحتلين من غزة وفي غزة.

إن حكومة نتنياهو لن تصل مع الطرف الفلسطيني إلى اتفاق ذي حيثيات تجعل الشعب الفلسطيني يشعر أنه حقق مكسباً. هذا صعب جداً على الرغم من الضغوط المصرية والدولية. المحتلون الآن يريدون وقفاً متبادلاً ومديداً لإطلاق النار. وحتى القضايا الإجرائية، التي لا علاقة لها بجوهر القضية، وكلها تقع ضمن إطار الحقوق الإنسانية لسكان غزة والضفة، لا يريدون التساهل فيها. يمكن الآن تفريغ احتقان اللحظة القصيرة الراهنة والملتهبة، والتوصل إلى هدنة مجردة من أية استحقاقات على الطرفين سوى إخراس النيران. إن هذا هو ما ينبغي أن يأخذه الفلسطينيون بعين الاعتبار، ويتهيؤون لمواجهته.