عبدالله الجنيد

كويت عبدالعزيز النمش

السبت - 05 نوفمبر 2016

Sat - 05 Nov 2016

هذا الممثل الشجاع، رحمة الله عليه، والذي أدى ولفترة طويلة شخصية أم عليوي في أعمال جسدت تاريخ التحولات في المجتمع الخليجي بالإضافة لواقع المرأة فيه، كان أحد أهم سفراء ثقافة الإنسان الكويتي المتسامح والمنفتح على العالم، بل إن تمسكه بذلك الدور حتى مع صعود التيارات السياسية المتأسلمة، والتي حاربت كل الثقافة الإنسانية يمثل سمو أصالة هذا الرجل. ويحضرني هنا كلام الوالدة رحمة الله عليها «النمش رجل ولديه عيال، مشكلتكم أنكم تنظرون إليه من خلال اقتداره على تأدية دور المرأة». وكلنا يتذكر أدواره في أعمال من درب الزلق إلى حرم سعادة الوزير، فما كان لتلك التجربة الرائدة في كل أشكال الفنون أن تنجح لولا ثقافة التسامح التي تحلى بها مجتمع الكويت حينها، ليبدع جيل النمش وصقر الرشود كل ذلك.



النمش - أو أم عليوي - كان له دور مركب في تحفيز مشاركة المرأة ثقافيا وإبداعيا، ليس في الكويت فقط إنما خليجيا. وما زلت أذكر حديث الأستاذ والصديق خادم الشيباني عن كويت الخمسينات، وكيف كانت تجربته الشخصية عندما قرر هو وصديق له الالتحاق بمدارسها لإنهاء الفصل الأخير من المرحلة الثانوية. فقط تقدما لذلك دونما حاجة لرسالة من دائرة المعارف في البحرين حينها، أو توسط أي شخص في أمر تسجيلهما للالتحاق بالدراسة. فكل ما استلزمه الأمر التقدم شخصيا ومن ثم التسجيل. وهو ما زال يذكر الزي الموحد والوجبة المدرسية، حيث يتساوى عندها الفقير وولد الشيخ، هذا بالإضافة للمواصلات والسكن الداخلي (إلى هنا وكفى، فما تبقى من الحديث خاص)، لذلك لم يكن غريبا على الكويت منذ ذاك قيادة التنمية في محيطها الخليجي في حقلي التعليم والطبابة (الرعاية الصحية)، وإلى يومنا يندر أن تخلو مدينة خليجية من مستشفى أو مدرسة تحمل اسم الكويت المنارة والحضارة.



ويندر ممن هم بيننا من أهل الخليج من لم يرتبط بالكويت بشكل أو بآخر. وبالنسبة لي كانت إذاعة الكويت رفيقي وأنا أمر بين أزقة الحد (مدينة في البحرين)، في الطريق إلى المدرسة والعودة منها، من الابتدائية الجنوبية إلى الإعدادية الشمالية، ومن اسميهما نستدل المسمى. فإذاعة الكويت كانت القاسم المشترك بين المرحلتين، حيث كانت كل أجهزة الراديو في البيوت مفتوحة (موجهة) إلى موجة إذاعة الكويت لتتحول كل البيوت إلى ما يشبه جهاز مذياع واحدا، لكن عندما يقول الشيخ الحصري رحمة الله عليه «صدق الله العظيم» فإن الجميع يتحول إلى عداء يبز حسين بولت، فأمامنا أقل من دقيقتين للوصول إلى بوابة المدرسة قبل إغلاق أبوابها مع إعلان المذيع «تمام السابعة في راديو الكويت وإليكم نشرة الأخبار».



الكويتيون يمتازون بنبرة صوت مميزة، لذلك كان من السهل أن يزاحموا الدراما المصرية خليجيا، وقد أحببناهم في أعمالهم بما في ذلك عرض أول فيلم سينمائي كويتي (بس يا بحر). وما زال الحوار بيننا مع من حضر عرض الفيلم في البحرين (أول سنة مراهقة) «احلف إنه باسها، أنت شفته يبوسها». لاحقا أدركنا قيمة تلك الدراما التي كانت تجسيدا لمجتمع الغوص والجور على البحار فيما قبل النفط، لكن يبقى ذلك الفيلم علامة فارقة في تدليلها على الإرادة والطموح الكويتي. للأسف تعثرت الكويت وباقي دول الخليج بعبثية ما عرف لاحقا بالصحوة الجائرة، وما ألحقته من انتكاسة في هوية الخليج وأهله، إلا أننا اليوم نستشعر العافية تتجدد في تلك الهوية خليجيا والتصالح إنسانيا، ونأمل أن نستمد من روح ذلك الزمن الجميل أجمل شخوصه. وأما ما يجب أن يدركه القراء من الشباب عن الكويت حينها فهو استحالة القبول بأمرين، أولهما استحالة القبول بالتعريف وطنيا على أساس التميز طائفيا، لأن ثوابت الانتماء الوطني تتجاوز كل أشكال الولاءات. أما ثانيهما، فإن ثقافة المجتمع حينها لم تكن متسامحة حيال أي تجاوز أو القبول بأي شكل من أشكال الاستقطاب السياسي على أسس طائفية.



في آخر المقال هناك أمر يجب أن يدرك، ثقافة جيل عبدالعزيز النمش في الكويت وعموم الخليج لم تنتج إرهابيا واحدا، أو قبلت بأن يجاهر طائفي بطائفيته، وأن إرثهم الحي لكم هو فيكم وأوطان تجاوزت جغرافيا حدود الكويت والخليج العربي. تحية لذلك الرجل الشجاع الذي مثل باقتدار إرادة التحدي لجيل بأكمله.



[email protected]