"الموت بداية الحضور"
لم يدر بخلده أن أحدا لا يعرفه في البنك، فخرج محبطا من إدارة الأحوال المدنية، بعدما عرّف الموظف بنفسه «أنا الأديب الشاعر
لم يدر بخلده أن أحدا لا يعرفه في البنك، فخرج محبطا من إدارة الأحوال المدنية، بعدما عرّف الموظف بنفسه «أنا الأديب الشاعر
الجمعة - 24 يناير 2014
Fri - 24 Jan 2014
لم يدر بخلده أن أحدا لا يعرفه في البنك، فخرج محبطا من إدارة الأحوال المدنية، بعدما عرّف الموظف بنفسه «أنا الأديب الشاعر
» ردّ الموظف «خير يا طير، وش يعني؟!» فكانت القاضية عندما تندر شابان يجلسان إلى جواره في المطعم بفوز مسرحية سعودية بالمركز الأول عربيا، وهما لم يشاهداها
عاد إلى مكتبه دون نظارته السميكة، كتب في مفكراته خطأً «قررت اعتزال الدأب والتقافة»
ثم تحول إلى مغرد وفي رواية (ناقد إملائي) في «تويتر»، ينتظر «نبّالة عزرائيل»
هذا ممّا رواه المؤرخون عن المرحلة المجهولة قبل 20 سنة تحت عنوان (ظاهرة اختفاء المبدعين السعوديين من 1990 ـ 2014) الظاهرة التي لفتت الباحث السعودي جوزيف باشا النباش فبحثها حتى توصل إلى أن «الوزارة» هي السبب الرئيس لسد شريان التواصل السريع الواسع بين المجتمع والمبدعين السعوديين، ولاحظ جوزيف أن مستودعات المؤسسات الثقافية متخمة بالإبداع في الشعر والنثر والنقد والمسرح والثقافة بعامة، لكن سجلات القنوات الرسمية خالية من نشرها، خصوصا قناة (الثقافية) التي قتلوهم عليها حسدا (على يتمها)
واستغرب الباحثون حرص الوزارات والجامعات في تلك الحقبة وتنافسها على تغييب نتاج الباحثين والمبدعين، لكن نباهة جوزيف قادته إلى السر الكامن وراء فكرة التغييب الرهيبة لدى المسؤولين آنذاك، فقد توافقوا على الحد من الأضواء المسلطة على المبدعين والباحثين، فربما تؤثر على قرائحهم وأفكارهم وإبداعاتهم، بعد انتشار فيروس «المبدع المسؤول» والسر الأعمق التقطته المؤرخة ننينا الحاكي عندما وجدت أن (قوة عين) المجتمع السعودي الخارقة هي السبب وراء سقوط المذيعة «ريما الشامخ» على شاشة الثقافية، حسب فتيا أحد المشايخ المعتبرين حينذاك، فاتخذت القناة سياسة الحفاظ على المبدعين من أدباء وفنانين ومسرحيين ومفكرين ونقاد، فلا تبث الفعاليات التي يتجلّون فيها، وتكتفي بلقاءات خفيفة أو أخبار سريعة لا تؤثر على القولون، بقدر تأثيرها على أطراف وحنجرة المبدع أثناء اللقاء الخافت
وأخيرا يفك علماء الآثار لغز غياب المبدعين في تلك الفترة، عندما وجدوا هيكلا عظميا لأحد المبدعين يحتضن عَقدا لإنشاء قناة أدبية ثقافية خاصة، كتب أحد أصدقائه في حاشيته «هنيئا يا صديقي، موتك بداية الحضور» واعتبر باحث الآثار «تي باج يو مسعود» هذه الحالة فتحا يكشف جهل المستثمرين الإعلاميين بالكم الهائل للأماسي والمسرحيات والندوات والمحاضرات المحبوسة في مستودعات المؤسسات الثقافية، وطالب المسؤولين بإنشاء أربع محطات تلفزيونية (الأدبية – المسرحية - العلمية - الفنية) لعرض النتاج الضخم، وتحليله ومناقشته لاستيعاب المرحلة وأفكارها التي لم يستفد من تنويرها المجايلون في تلك الحقبة من تاريخ الثقافة السعودية
ومن جانب الوزارات المعنية فقد رحب وزير الأدب، ووزير الثقافة، ووزير الفنون، ووزير الإعلام بمطالب الباحثين خلال أسبوع، ورأوا فيها تجديدا لأفكار المجتمع، التي لو طبقت من العام 2000 لأحدثت فرقا ثقافيا عالميا ربما، وأكدوا أن عدم نشر تلك الأفكار التنويرية والإبداعية جعلت المجتمع ينغلق على «فكرة واحدة» لا تزال آثارها باقية إلى اليوم
الجدير بالذكر أن الآلاف من أحفاد المبدعين السعوديين الذين مثل أجدادهم المشهد الثقافي السعودي في تلك الفترة احتشدوا معبرين بلافتات الكترونية متحركة «لا
للانتظار أسبوعا كاملا» لكنهم تفرقوا بعد بكاء وزير الإعلام عندما تلا وصية وزير من تلك الحقبة «لا تحرقوا المبدعين بأعين الحساد»