يا إلهي.. ماذا فعلنا برمضان!

بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين، وفرض لهم على لسانه الفرائض ونهاهم عن المحرمات، لم يكن الإسلام بدعا من الأديان، ولا محمد عليه الصلاة والسلام بدعا من

بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين، وفرض لهم على لسانه الفرائض ونهاهم عن المحرمات، لم يكن الإسلام بدعا من الأديان، ولا محمد عليه الصلاة والسلام بدعا من

الاثنين - 14 يوليو 2014

Mon - 14 Jul 2014



بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين، وفرض لهم على لسانه الفرائض ونهاهم عن المحرمات، لم يكن الإسلام بدعا من الأديان، ولا محمد عليه الصلاة والسلام بدعا من الرسل، بل كان كل منهما امتدادا لما سبقه كما قال الله عز وجل: (إن الدين عند الله الإسلام)، فالصلاة والتوحيد والصيام والحج جميعها تشريعات سابقة فرضها الله على عباده في الأديان السماوية السابقة، وكذلك الزنا والربا والفجور هي أعمال مستهجنة سابقا فلما عصوا وحرفوا دينهم نسخ الله أديانهم.

في العام الثاني من الهجرة النبوية المباركة صام الرسول عليه الصلاة والسلام وصام المسلمون معه وذلك امتثالا لأمر الله لهم (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فهذا تصريح من المولى عز وجل وأمر للأمم السابقة بهذه الشعيرة، وقد وصلنا أخبار من ذلك منها: حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن صيام داود عليه السلام وأنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولما قدم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد الناس يصومون يوم عاشوراء فلما سأل أخبروه أنه يوم أنجى الله فيه موسى عليه السلام وأهلك فرعون وقومه فقال: نحن أولى بموسى منكم، فصامه وأمر المؤمنين بصيامه، واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام في السنة ويصومون كذلك اليوم التاسع من أغسطس وذلك في ذكرى خراب هيكل «اورشليم» كما يدعون، وأتقياء النصارى المعاصرون يصومون كل عام أربعين يوما، وهناك ما يشبه الإجماع للسلف الصالح أن الله فرض عليهم صيام شهر رمضان ومرض أحد ملوكهم ونذر إن شفاه الله أن يزيد عشرة أيام فلما شفي فعل ذلك وأمر أتباعه فصاموا أربعين بدلا من ثلاثين يوما، ثم لما جاء الصيام في شهور الصيف وأصابهم الجهد نقلوه إلى الشتاء واستمروا على ذلك إلى الآن، وكان النبي دانيال يمتنع عن أكل اللحوم لمدة ثلاثة أسابيع، وقد تسربت شعيرة الصيام حتى لأولئك الذين لا يدينون لله بل للأصنام والشمس والحجارة كالبوذيين والتبت.

ولكن لماذا فرض الله شعيرة الصيام على عباده منذ الأزل؟ الجواب أن الله وحده يعلم ذلك، ولكن لنا أن نرصد بعض الملاحظات من ذلك مثلا، أن تجرد الإنسان من الملذات يؤدي آليا إلى سمو الروح والرغبة في عمل الصالحات، نعلم ذلك جيدا، نشعر ونحس به، وما التغيير الكامل في المجتمع في أول صباحات رمضان إلا جزء من ذلك، كذلك يؤدي الصيام إلى صحة البدن، ولدي دلالات وأمثلة كثيرة على أن الذين يكثرون من صيام النفل تقل لديهم الأمراض المزمنة كالسكر والضغط، وقد يكون ذلك ملاحظا لنا جميعا.

الصيام لا يؤدي إلى منافع للفرد فقط بل وللمجتمع ككل، كيف كنا سنشعر بألم الجوع والعطش الإجباري والذي يعيشه إخوة لنا في مشارق الأرض ومغاربها دون أن نجرب هذا الإحساس وباختيارنا؟ كيف كنا سنشعر بمرارة الحرمان دون فريضة الصيام؟ ألا يجعلنا هذا الأمر إخوة؟ ألا نحس بآلامهم أكثر ونشعر برغبة في مد يد العون لهم؟ ألا يزيد الصيام من إحساس المؤمنين ببعضهم أكثر؟ ألا يجعلنا هذا الأمر أقرب من المعدم والمسكين والفقير؟ ألا نشعر بروحانية أكثر وإيمان أقوى وأعمق؟ ألا نشعر أن أيام رمضان ولياليه تختلف عن بقية أيام السنة؟

لا أعلم بالضبط متى تحول شهر الصيام عند عامة الناس تقريبا إلى شهر لمتابعة المسلسلات والبرامج والدورات الرياضية بل وحتى أطلقنا عليها اسم «رمضانية» دلالة على كثرتها وتنوعها، وهناك المسلسلات الرمضانية والدورات الرمضانية، لا أعلم متى حدث ذلك ولكن يخيل إلي أنني أستطيع أن أعيده إلى أصله، أصل ذلك حين تحول الصيام من عبادة إلى عادة وكان هذا قبل قرون عدة وقد رصد ابن الجوزي ذلك في عصره في كتاب «صيد الخاطر» بقوله: (ومنهم من إذا جلدته حتى يصلي ما صلى وإن جلدته حتى يفطر ما أفطر). رمضان هبة ربانية تتضاعف فيه الحسنات وتصفد الشياطين وتتنزل الرحمات، علينا أن نستشعر حقيقة أن رمضان وجد للتزود من الطاعات والإحساس بآلام الفقراء والمساكين وزيادة روابط الأخوة بين المسلمين والتسامح وصلات الأرحام، لا للهو واللعب وتمضية لياليه أمام الشاشات ومشاهدة الأفلام والبرامج الهابطة التي يتفنن أصحابها في جذب المشاهدين بكل الطرق.