سحر أبو شاهين

خرج لينحرني

الجمعة - 28 أكتوبر 2016

Fri - 28 Oct 2016

جرائم قتل المرضى النفسيين لوالديهم، وآخرها كانت قبل أيام، يجب ألا تمر مرور الكرام، فخلال أقل من عام راح ضحية الاختلال النفسي 8 من الآباء والأمهات، كانت خاتمتهم نحرا على يدي من يفترض بهم برهم وتقبيل أقدامهم صباح مساء.



وصول المريض النفسي لمرحلة الانفصال التام عن الواقع وسيطرة الهلاوس السمعية والبصرية عليه هي دافعه لقتل المحيطين به لأن الأوهام تصورهم خطرا يتهدده ولا بد من قتلهم قبل أن يفترسوه.



مسؤولية تفاقم الوضع الصحي للمريض حتى يتحول إلى وحش يفتك بمن حوله، لا يتحملها شخص واحد أو جهة واحدة، هي مسؤولية مشتركة بين المستشفى النفسي الذي يجب ألا يخرج المريض من التنويم إلا بعد الوثوق من أهليته وتوعيه ذويه بخطورة إغفال رعايته، وبين الأهل الذين يتحتم عليهم اصطحاب المريض بعد خروجه لمواعيد المراجعة الطبية، لرصد بوادر انتكاسته والتعامل معها، ولا سيما أن ذوي المريض يغفلون أحيانا عن مراقبة التزامه بتناول أدويته، وبعض المرضى ما إن يتعافى حتى يظن أنه لا حاجه له بالأدوية، وهنا تعود صحته النفسية للتدهور مجددا.



المجتمع عموما - حتى الشريحة المتعلمة بل الجامعية - ينقصه الوعي بماهية المرض النفسي وكيفية علاجه، والكثير من المعتقدات المغلوطة حوله ما زالت شائعة، ومنها أن من تسوء صحته النفسية فيصاب بالاكتئاب، الوساوس، نوبات الذعر أو الفصام والهلاوس السمعية والبصرية فيقل أكله ويتوقف عن الذهاب للمدرسة أو العمل هو مسحور أو ممسوس من الشيطان أو محسود، وعلاجه لدى «مطوع» يقرأ و»يتفل» عليه، وأن الأدوية النفسية تسبب الإدمان والأطباء النفسيون يحولون الشخص لـ»مجنون»، وأن العلاج بالجلسات مع مختص نفسي كاف لوحده ولا حاجة للأدوية، كل هذه «الخرافات» المضحكة وغير العلمية، تؤدي لإهمال المريض وتعرقل حصوله على الرعاية النفسية الضرورية، فتتدهور حالته ويسوء وضعه وربما يصل للانتحار ليتخلص من عذاباته، فبحسب أطباء نفسيين فإن ألم المرض النفسي من أشد أنواع الآلام، وهو أشد من ألم كثير من الأمراض العضوية، وقد ينفصل تماما عن الواقع ويصبح خطرا حقيقيا على المحيطين به.



وليس كل مريض نفسي يرتكب جريمة يعفى من المسؤولية عنها كما يظن البعض، تحديد المسؤولية الجنائية منوط بتقرير يصدر عن لجنة من عدة أطباء يقيمون وضعه ويحددون مستوى إدراكه ووعيه بما فعل.



يتعين على الجهات المختصة، وتحديدا إدارة الصحة النفسية والاجتماعية بوزارة الصحة، دراسة كل جريمة من هذه الجرائم والتواصل والتعاون مع هيئات التحقيق والادعاء العام، وفتح تحقيق آخر خاص بها في المستشفيات التي كان هؤلاء المرضى يراجعونها لرصد أي جوانب تقصير، والوقوف على مسببات تردي وضع المريض ومن ثم توظيف نتائج الدراسة في وضع خطط واتخاذ إجراءات تحد من خسارتنا لأفراد صالحين هم ضحية جهلهم وقصور المنظومة الصحية الحكومية عن أداء واجبها، وارتفاع تكلفة العلاج النفسي في القطاع الخاص، وعدم تضمينه بطاقات التأمين الصحي لأغلب الموظفين.